والعبادة طريق موصل إلى الله، فلا يمكن أن نسلك طريقاً يوصل إلى الله إلا إذا كان الله وضعه لنا، أما إذا لم يضعه فلن يوصل إلى الله، فلو تعبد شخص لله عبادة فإننا نمنعه حتى يقيم دليلاً على مشروعيته، ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد»، ولهذا نقول: أن الأصل في العبادات الحظر إلا ما قام الدليل على مشروعيتها.
وليعلم أنه لابد أن يقوم الدليل على كون العبادة مشروعة في كل ما يتعلق بها، لابد أن تكون موافقةً للشرع في السبب، والجنس، والقدر، والكيفية، والزمان، والمكان، فهذه ستة شروط:
أولاً: السبب:
فمن شرع عبادة لسبب لم يجعله الشارع سبباً فإنها لا تقبل؛ لأن الشرع لم يأذن بها، مثل: أن يقول كل ما دخلت البيت لا أجلس حتى أصلي ركعتين، فنقول: هذه بدعة؛ لأنه لم يرد في الشرع أن دخول البيت سبب لصلاة ركعتين.
ثانياً: الجنس:
لو ضحى شخص بخيل تساوي قيمة الناقة عشر مرات، فإنه لا يجوز؛ لأن الأضحية من جنس المعين الخاص، الأبل والبقر والغنم، وليس من الخيل، فلا يصح التضحيه بها.
ثالثاً: القدر:
لابد أن تكون العبادة موافقة للشرع في القدر، القدر يعني الكمية، فمن أتى بعبادة زائدة عن القدر الذي شرعه الله ورسوله، فإما أن تبطل إذا كان لا يمكن فصلها عن بعضها البعض، وإما أن ينهي عن ما زائد ولا تبطل.
مثال على العبادة التي لا يمكن فصلها عن بعضها البعض:
لو صلى الظهر خمساً قلنا لا تصح الصلاة إذا كان متعمداً لأنها خالفة الشرع في القدر، ولو ركع مرتين في صلاة الظهر، قلنا لا تصح، لأنه خالف الشرع في القدر، ولو سجد سجوداً واحداً قلنا لا تصح، لأنها خالفة الشرع في القدر.
مثال على العبادة التي يمكن فصلها عن بعضها البعض:
لو أن رجلاً رمى الجمرات بثماني حصيات، فالسبع حصيات صحيح، والثامنة، باطلة، لأنها زيادة عن القدر المشروع.
رابعاً: الكيفية:
أن تكون مطابقة للشرع في كيفيتها؛ لأن الكيفية تدخل في صلب العبادة، فإن خالف في الكيفية فلا تصح العبادة، ولو أتى بأجزائها، فلو سجد ثم ركع، لم تصح صلاته، ولو بدأ بغسل الرجلين قبل الوجه لم يصح غسل الرجلين، ولو طاف على الكعبة، وجعل الكعبة عن يمينه، فإن طوافه لا يصح؛ لأنه خالف الشرع في كيفية العبادة.
خامساً: الزمان:
فإن أتى بالعبادة في غير زمانها المحدد، فإن كان قبله، لم تصح بالاتفاق، وإن كان بعده بعذر صحت، وإن كان بعده بغير عذر فقيل تصح مع الأثم، وقيل لم تصح وهذا الصواب.
مثال ذلك: رجل صلى الظهر قبل زوال الشمس معتقداً أنها زالت، ثم تبين أنها لم تزل، فنقول: أنها لا تجزء، ولكنها تصح نفلاً، لأنه نوى العبادة على نيتين، نية صلاة، ونية الظهر، فصحت نية الصلاة؛ لأن الصلاة تصح في كل وقت، ولا تصح نية الظهر؛ لأنها قبل دخول وقتها.
وإن صلى الظهر بعد خروج وقتها بعذر إما لنوم، أو نسيان، وما أشبه ذلك، فالصلاة صحيحة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من نسي صلاة أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها»، وإن كان بغير عذر، كما لو تعمد أن يصلي بعد الوقت بحيث يكون عنده حصه، أو درس أو عمل لا ينقضي إلا بعد الوقت، وصمم على أنه لن يصلي إلا بعد الوقت؛ فإن صلاته لا تصح على القول الصحيح لو صلى ألف مرة، والقول الثاني: تصح مع الأثم، والقول الصحيح: أنه لا تصح وأنها لا تقبل منه، وأنه يعتبر مخلاً بأحد أركان الإسلام.
سادساً: المكان:
لابد أن تكون موافقة للشرع في مكانها، فلو اعتكف إنسان في بيته في رمضان في العشر الأخيرة، فإنه لا يجزء، لماذا؟ لأن مكان الاعتكاف المساجد، قال تعالى: ((وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ)).
ولو طاف بالبيت خارج المسجد الحرام، لا يجزء؛ لأنه لم يوافق الشرع في المكان؛ لأن من شرط الطواف أن يكون في المسجد الحرام، وحتى لو كان هناك ضيق، فإنه لا يجزئه فلو فُرض أن ما حول المسجد الحرام ساحات، ويمكنه الطوف وطاف منها فإنه لا يجزء؛ لأنه خارج المسجد الحرام، فيكون مخالفاً للشرع في مكان العبادة.
فأهل الإخلاص والمتابعة، أعمالهم كلها لله، وأقوالهم لله، وعطاؤهم لله، ومنعهم لله، وحبهم لله، وبغضهم لله. فمعاملتهم ظاهراً وباطناً لوجه الله وحده. لا يريدون بذلك من الناس جزاء ولا شكوراً، ولا ابتغاء الجاه عندهم، ولا طلب المحمدة، والمنزلة في قلوبهم، ولا هرباً من ذمهم، وكذلك أعمالهم كلها وعبادتهم موافقة لأمر الله، ولما يحبه ويرضاه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
المراجع:
- بيان التوحيد الذي بعث الله به الرسل جميعا وبعث به خاتمهم للشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله.
- الشريط رقم 3 الوجه الثاني من شرح المنظومة في أصول الفقه للشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله.
- خطبة الجمعة للشيخ سعود الشريم بعنوان: ((الإنسان بين العبودية والطغيان)).
- الأصول الثلاثة للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله.
- سؤال رقم 21519 و 14258من موقع الإسلام سؤال جواب.
- سؤال رقم 42528 و 10396من موقع الشبكة الإسلامية.
¥