تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

شُعورٌ يفيض به قلبُ المؤمِنِ بمجرَّدِ ذكرِه لله، فإنَّ وجودَه ابتداءً ليس إلاّ فيضًا مِن فيوضاتِ النِّعمة الإلهية التي تستجِيش الحمدَ والثناءَ، في كلِّ لمحةٍ في كلِّ لحظةٍ في كلِّ خُطوة تتوالى آلاءُ الله على العبد وتتواكب وتغمُر خلائقَه كلَّها وخاصّةً هذا الإنسان، ومن ثَمَّ كان الحمدُ لله ابتداءً وكان الحمد لله ختامًا دليلَ الإيمان، وَهُوَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ [القصص:70].

ومع هذا يبلُغ من فضلِ الله سبحانه على عبدِه المؤمن أنه إذا حمِد الله حمدًا يليق بجلالِه كتبَها له حسنةً ترجحُ كلَّ الموازين، ففي سننِ ابن ماجه عن عبد الله بن عمَرَ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حدّثهم: ((إنَّ عبدًا من عبادِ الله قال: يا ربِّ لك الحمدُ كما ينبغِي لجلال وجهِك ولعظيم سلطانك، [فعضلت بالملكين فلم يدريا كيف يكتبانها، فصعدا إلى السماء] وقالا: يا ربَّنا إنَّ عبدَك قد قال مقالةً لا ندرِي كيفَ نكتبُها، قال الله عزّ وجلّ وهو أعلم بما قال عبدُه: ماذا قال عبدي؟ قالا: يا ربِّ، إنّه قال: يا ربّ لك الحمد كما ينبغي لجلالِ وجهِك وعظيم سلطانك، فقال الله عزّ وجلّ لهما: اكتبَاهَا كما قال عبدي حتى يلقاني فأجزِيَه بها)) [5].

لفظ الجلالة (الله) هو الاسمُ الأعظم للهِ عزّ وجلّ على قولِ طائفةٍ مِن أهلِ العلم، الذي تلحَق به الأسماءُ الأخرى، ولا يشاركه فيه غيره. ومن معاني (الله) أنه الإله المعبودُ المتفرِّد باستحقاقِ العبادة.

رَبِّ الْعَالَمِينَ أي: ربّ كلِّ شيءٍ وخالقه والقادِر عليه، كلُّ ما في السموات والأرض عبدٌ له وفي قبضَتِه وتحت قَهرِه.

الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ،

اسمُ الرحمن كاسمِ الله؛ لا يُسمَّى به غيرُ الله ولم تسمَّ به أحد، فالله والرّحمن من الأسماء الخاصّة به جلّ وعلا، لا يشاركه فيها غيرُه، أمّا الأسماء الأخرى فقد يسمَّى بها غير الله كما قال سبحانه عن نبيِّه: بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128]. والرّحمن والرّحيم مأخوذان منَ الرّحمة، فالرّحمن رحمةُ عامّة بجميع الخلقِ، والرّحيم رحمةٌ خاصّة بالمؤمنين. الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ صِفةٌ تستغرِق كلَّ معاني الرحمةِ وحالاتها ومجالاتها، تتكرَّر في صُلب السّورة في آيةٍ مستقلَّة لتؤكِّدَ السّمَةَ البارِزة في تلك الرّبوبيّة الشاملة.

مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ

وقُرئ مَلِكِ، والفَرقُ بين الوصفَين بالنّسبة إلى الربِّ سبحانه أنّ الملِك صِفةٌ لذاتِه والمالِكَ صِفةٌ لفِعلِه، ويومُ الدين يومُ الجزاء من الربِّ سبحانه، وهو يوم يدين الله العبادَ بأعمالهم أي: يجازِيهِم بها.

إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ

أي: نخصُّك بالعبادة، ونخصّك بالاستعانة، لا نعبد غيرَك، لا نطلُبُ إلاّ عونَك، لا نستعِين بغيرك، لا نستَغني عن فضلِك، وقدِّمت العبادة على الاستعانَةِ لكون الأولى وسيلةً إلى الثانية، وقرِنَت العبادةُ بالاستعانة للدّلالة على أنَّ الإنسانَ لا يستطيع أن يقومَ بعبادةِ الله إلاّ بإعانةِ الله له وتوفيقِه، وهو إقرارٌ بعجزِ الإنسان عن القيامِ بالعباداتِ وعن حملِ الأمانةِ الثَّقيلة إذا لم يُعِنه الله، وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ [الأعراف:43].

قال ابن القيِّم رحمه الله: "إنَّ موضعَ الرّقيَةِ منَ السورة إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، ولا ريبَ في أن هاتين الكلِمَتين من أقوى أجزاءِ هذا الدواء؛ فإنَّ فيهما من عمومِ التّفويضِ والتوكُّل والالتجاء والاستعانةِ والافتقار والطّلَب والجمع بين أعلَى الغايات ـ وهي عبادةُ الربّ وحدَه ـ وأشرفِ الوسائل ـ وهي الاستعانةُ به على عبادته ـ ما ليس في غيرِها، وتأثيرُ الرُّقَى بالفاتحَةِ وغيرِها مِن علاج ذواتِ السّموم سِرٌّ بديع، ونفسُ الراقي تفعل في نفسِ المرقيّ، فيقع في نفسِها فِعلٌ وانفعال كمَا يقَع بين الداءِ والدّواء، فتقوَى نفس الراقي وقوَّتُه بالرّقيَة على ذلك الدواء، فيدفعه بإذن الله" [6].

اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير