تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

دعاءٌ صريح، حظُّ العبد من الله، وهو التضرُّع إليه والإلحاح علَيه أن يرزقَه هذا المطلبَ العظيم الذي لم يُعطَ أحدٌ في الدّنيا والآخرة أفضل منه، كما منَّ الله على رسوله بعدَ الفتحِ بقوله: وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا [الفتح:2]. أي: قوِّ هدايَتَنا، وفِّقنا إلى معرفةِ الطريق الصحيح والاستقامةِ عليه، ثبِّتنا حتى لا ننحرفَ أو نزيغَ عنه، فقد يكون الإنسانُ اليومَ مهتديًا وغدًا من الضالّين.

اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ،

لا دعاءَ مفروضٌ على المسلم قولُه غير هذا الدعاء، فيتوجَّب على المسلم قولُه عِدّةَ مرّات في اليوم، وهذا يدلّ على أهمّيّة الطّلَب الذي له أثرُه في الدنيا والآخرة. وفي قوله: اهْدِنَا ولم يقل: "اهدِني" تربِيةٌ للمسلم على تذكُّر إخوانِه وتقوية معاني الأُلفة، وفيه إِزالةٌ لمشاعِرِ الأثَرَة والأنانية، فكما أنّك تحبّ لإخوانِك ما تحبّ لنفسك فادعُ لهم بما تدعو لنفسِك. والاجتماعُ على الهدى مطلَبُ المؤمِنين، وكَثرةُ السّالكين أُنس وثباتٌ للسّائرين، والسّالِكُ وحدَه قد يضعُف وقد يملّ أو يسقُط أو تأكلُه الذّئاب.

صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ

وهم رسولُ الله وأصحابُه، يعني: الذين حازوا الهدايةَ التامّة ممّن أنعم الله عليهم من النّبيِّين والصِّدِّيقين والشّهداءِ والصالحين، ولا يخرُج المكلَّفون عن هذه الأصنافِ، فكلُّ الخَلقِ ينتمي لواحدٍ من هذه الأصناف: الذين أنعَم الله عليهم هم الذين سلَكوا الصراطَ المستقيم وعرفوا الحقَّ وعمِلوا بمقتَضَاه، أمّا الذين عرَفوا الحقَّ وخالفوه فهم المغضوبُ عليهم، والعامِلون بلا عِلمٍ هم الضالّون، قال تعالى: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا [الكهف:103، 104]. قدِّمَ المغضوبُ عليهم على الضّالّين لأنَّ أمرَهم أخطر وذنبَهم أكبَر، فإنَّ الإنسانَ إذا كان ضلالُه بسبَبِ الجهل فإنّه يرتفِع بالعلم، وأما إذا كان هذا الضّلالُ بسبب الهوَى فإنّه لا يكاد ينزِع عن ضلاله، ولهذا جاء الوعيد الشديدُ في شأنِ من لا يعمَل بعَمَلهِ.

خاتمةُ سورةِ الفاتحة هي مناسِبَة لكلِّ ما ورد في السّورة من أوَّلها إلى آخرها، فمَن لم يحمَدِ الله تعالى فهو مغضوبٌ عليه وضالّ، ومن لم يؤمِن بيومِ الدِّين وأنَّ الله سبحانه وتعالى مالِكُ يومِ الدّين ومَلِكه ومَن لم يخصَّ الله تعالى بالعبادةِ والاستعانةِ ومن لم يهتدِ إلى الصراط المستقيم فهم جميعًا مغضوبٌ عليهم وضالّون.

بارَك الله لي ولَكُم في القرآنِ العَظِيم، ونَفَعني وإيَّاكم بما فيهِ مِنَ الآيات والذِّكر الحكيم، أقول هذا القولَ، وأستغفِر الله واستغفِروه، إنّه هو الغفور الرّحيم.


[1] أخرجه الترمذي في التفسير (3125)، والنسائي في الافتتاح (914)، وعبد الله في زوائد المسند (5/ 114) بنحوه، وصححه ابن خزيمة (500، 501)، وابن حبان (775)، والحاكم (2048)، وهو في صحيح سنن الترمذي (2499). وفي الباب عن أبي هريرة وأبي سعيد بن المعلى رضي الله عنهما.

[2] صحيح مسلم: كتاب صلاة المسافرين (806).

[3] صحيح البخاري: كتاب الطب (5736)، وهو عند مسلم أيضا في السلام (2201).

[4] صحيح البخاري: كتاب الدعوات (6326)، صحيح مسلم: كتاب الذكر (2705) عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: علمني دعاء أدعو به في صلاتي، قال: ((قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا)) الحديث.

[5] سنن ابن ماجه: كتاب الأدب (3801)، وأخرجه أيضا الطبراني في الكبير (12/ 343) والأوسط (9249)، والبيهقي في الشعب (4/ 94)، قال البوصيري في الزوائد (4/ 130): "هذا إسناد فيه مقال، قدامة بن إبراهيم ذكره ابن حبان في الثقات، وصدقة بن بشير لم أر من جرحه ولا من وثقه، وباقي رجال الإسناد ثقات"، وأورده الألباني في ضعيف الترغيب (961).

[6] الطب النبوي (ص139).

الخطبة الثانية

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير