تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومن هنا نرى أن الإسلام بعد أن وضع القواعد السليمة لبناء النفس المؤمنة، سعى لإشباع نوازع النفس البشرية التوَّاقة إلى الفوز والتفوُّق على الآخرين، فبيَّن أن سبيل التنافس والتسابق ينحصر في المكرمات الَّتي تكسب رضا الله، كما قال تعالى: {…وفي ذلك فليتنافسِ المُتَنافسون} (83 المطففين آية 26) أي في الأسباب الموصلة إلى ذلك النعيم ليَكُنِ التنافس والتسابق، وما أكثر هذه الأسباب كالاستزادة من التخلُّق بالأخلاق الفاضلة قولاً وعملاً، والإكثار من البذل والتضحية والفداء، والإقبال على العلم والتعلُّم بنَهم.

وهكذا يأخذ كلُّ مؤمن مكانه في فردوس النعيم حسب جِدِّه وجهده، ولذا كانت الجنَّة درجات، وكانت علِّيون الدرجة العليا الَّتي ينالها أولو الألباب، وهم الصفوة من خواص المحبِّين لحضرة الله، والعاملين الملتزمين بشرعه الخالد الحنيف.

سورة النساء (4)

{ياأيُّها النَّاسُ اتَّقوا ربَّكُمُ الَّذي خَلَقَكُمْ من نفسٍ واحدةٍ وخَلَقَ منها زوجَهَا وبثَّ منهما رِجالاً كثيراً ونساءً واتَّقوا الله الَّذي تَسَاءَلُونَ به والأرحامَ إنَّ الله كان عليكُمْ رقيباً (1)}

ومضات:

ـ إن الناس كلَّهم عائلة واحدة، مهما تعدَّدت أجناسهم وتلوَّنت بشرتهم، فأبوهم جميعاً آدم وأمُّهم حواء.

ـ إن قضية خلق هذا الكمِّ الهائل من الناس من نفس واحدة، منذ سيِّدنا آدم وإلى يوم القيامة، لهي معجزة وآية رائعة تدلُّ على عظمة الله تعالى، وتدفع إلى إجلاله والخشية منه.

ـ بمقدار ما نخشع لعظمة الله، علينا أن نصل أرحامنا ونقوِّي أواصر المحبَّة معهم، وندعمهم بالعطاء المادي والروحي لتزهر شجرة العلاقات الإنسانية بورد الرحمة والتراحم.

في رحاب الآيات:

لقد افتتح الله تعالى سورة النساء بخطابه للناس جميعاً، داعياً إيَّاهم إلى عبادته وحده، ومنبِّهاً لهم إلى قدرته الَّتي خلقهم بها من نفس واحدة؛ وهي نفس آدم عليه السلام والَّتي خلق منها زوجها وهي حوَّاء، فالأصل البشري واحد والنماذج لا حصر لها. وإن إلقاء نظرة على التنوُّع في خصائص الأفراد، على هذا المدى الواسع الَّذي لا يمكن أن يتماثل فيه فردان تمام التماثل على توالي العصور، لتدلُّ على دقَّة إبداع اليد المدبِّرة عن علم وحكمة، وتجعل العين والقلب يجولان في ذلك المتحف الحي، فيتمليان النماذج الَّتي لا تنفد. ومهما تشعَّب الناس بعد ذلك إلى أمم وبلدان وأجناس فإنما تشعُّبهم هذا ما هو إلا كتشعُّب العائلة الواحدة، والإخوة من أب واحد وأم واحدة، وحريٌّ بهذا التوحُّد في منشئهم وأصلهم أن يؤدِّي إلى تعاونهم وتعارفهم وتلاقيهم على الخير، والَّذي يرتكز على المبدأ الإنساني؛ وأن يصلوا أرحامهم ليكونوا أتقياء حقاً، وليظفروا بمرضاة الله، فقد أخرج الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: أمَّا ترضَيْن أني أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى، قال: فذلك لك».

وقد تَرفعُ ظروف الحياة أفراداً وتخفض آخرين، وقد تغني فئات، وتفقر فئات، وقد يؤدي تباعد البلدان واختلاف المناخ إلى تنوُّع ألوان البشر وتمايز العادات والأفكار، وكلُّ ذلك بإذن الله وإرادته، لكن الكلَّ عند الله سواء في آدميتهم وإنسانيتهم، وهم سواء أمام القانون الإلهي وفي كيان المجتمع الإنساني الواحد، يتأثَّر مجموعهم بفردهم وفردهم بمجموعهم، وليس لأحدهم فضلٌ على الآخر إلا بالتَّقوى.

إن التفكُّر في أصل الإنسان وتكوُّن الأجناس البشرية، يستوجب العمل على تمتين العلاقات الأسرية والاجتماعية والأممية، ليستمر التعاون والنماء بين جميع أبناء العالم كأفراد لأسرة واحدة. وهكذا يؤكِّد الإسلام على الوحدة الإنسانية بين الناس، بوصفهم إخوة ينحدرون من أصل واحد.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير