وأكد الأستاذ محمد حسين فنطر، رئيس كرسي بن علي لحوار الحضارات، الذي تولى تنظيم هذا الملتقى، أن تونس كانت منذ العهد القرطاجني القديم، أرضا لم تشهد على مر التاريخ، أي صراعات دينية، مشددا على أن السلم يبقى مسؤولية الجميع، سواء حكومات ومجتمعاً مدنيا ومثقفين وعلماء ورجال الدين، إلى جانب مختلف الفعاليات الاجتماعية والسياسية والثقافية، معربا عن أمله في أن يكون القرن الحادي والعشرين، قرن اعتراف كل واحد من البشر بالآخر، باختلافاته وخصوصياته ..
وأوضح الدكتور ميلاد حنا «مسيحي مصري»، أن العالم تتوافر فيه عشرات الأديان الكبرى، ومئات المذاهب والفرق، غير أن الأديان الإبراهيمية الثلاث، تظل الأكثر تأثيرا على الساحة الدينية والثقافية والسياسية في العالم، وهو الدور الذي لعبته عبر التاريخ .. مشيرا إلى أن هذه الأديان، عرفت صراعات في إطار الدين الواحد، أثمرت مذاهب عديدة، بما يعني ثراءها وغناها.
وتحدث المحاضر عن خصائص الديانات الإبراهيمية الثلاث، فلاحظ أن هناك أدياناً تبدو دعوتها ذات صبغة إنسانية، وهو ما يجسده الإسلام والمسيحية، اللذان يحملان هذا التوجه منذ نشأتهما، فيما تعد اليهودية الديانة الوحيدة ضمن الديانات الإبراهيمية، التي تتسم بالانغلاق، نتيجة اقتصارها على مفهوم «الأمة اليهودية»، وهي لهذا السبب عاجزة عن نشر رسالتها لغير اليهود، بل إن هذه الديانة، باتت ـ على حد قوله ـ وكأنها «جنسية» أو «قومية»، أي تجمع لقوم، وليس لدين.
واستعرض الدكتور ميلاد حنا، مختلف التطورات التي عرفتها الأديان، متوقفا بالخصوص عند التحالفات بين اليهود وعدد من الاتجاهات المسيحية، ومن بينها «التحالف» الذي يطلق عليه «المحافظون الجدد»، والذي يقود الولايات المتحدة الأمريكية منذ وصول الرئيس الأمريكي الراهن إلى السلطة قبل أربع سنوات، ملاحظا أن هذا التحالف، تسبب في حالة من الصراع بين الحضارات، بلغت حد الكراهية بين الغرب والإسلام .. لكنه أكد في المقابل، أن الحوار متوافر على مساحة واسعة، صلب العالم الإسلامي وخارجه، وهو حوار تاريخي نشأ مع إطلاق الدعوة الإسلامية، ويتواصل اليوم في أوروبا، بهدف التوصل إلى فهم جيد وفعال للإسلام «الصحيح» ـ حسب تعبيره ـ الذي بوسعه التعايش في أوروبا.
وأثارت مداخلة الدكتور ميلاد حنا، ردود فعل إيجابية، سيما عندما تتطرق إلى مسألة التحالف اليهودي ـ المسيحي في الولايات المتحدة، الأمر الذي أسال لعاب الكثير من المتدخلين خاصة في مجال الحديث عن الحرب الصليبية، التي كان بوش أطلقها فور تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر.
فقد تناول الأستاذ، جوان آلدن ويليامس «الولايات المتحدة»، موضوع عودة الحروب الصليبية .. فلاحظ أن هذه الفكرة، تعيش مع الأمريكيين منذ عهد الرئيس ويلسون، الذي يرى ـ وهو المسيحي البروتستانتي ـ أن أمريكا لها وظيفة دينية تتمثل في العودة إلى المسيحية، التي تعد جذورها الأولى، والعمل على نشرها في شتى بقاع العالم، وهو الخطاب الذي ما يزال مقبولا لدى الأمريكيين إلى غاية الوقت الراهن .. داعيا إلى إدانة الممارسات التي وصفها بـ «الظالمة» للإدارة الأمريكية، خاصة فيما يتعلق بسياستها الخارجية.
لكن السيد ويليامس، المتخصص في تاريخ الحضارات بالجامعة الأمريكية، اعتبر أن هذا الخطاب، تتولى ترويجه بعض المجموعات لأهداف ومصالح ذاتية، «أما الصليب الذي يزعمون أنهم يقيمون الحروب من أجله، فهو منهم براء»، كما يقول، مشددا على ضرورة احترام عقائد الآخرين وعاداتهم وسلوكياتهم، حتى وإن لم تشاطرهم الرأي، وأكد في ذات الوقت، على أهمية الاقتناع بأن «المعتقدات الدينية، تفرض علينا بالضرورة، الاعتراف بالآخر .. ».
النصوص أرحم من التطبيقات ..
على صعيد آخر أوضح الأستاذ الصادق بلعيد «أستاذ القانون بالجامعة التونسية» في محاضرته حول «الإسلام والتشريع»، أن النص القرآني غالبا ما تتم قراءته بصورة مشوهة، والتلاعب بمعانيه وفق أهواء الناس المستفيدين من ذلك، متوصلا إلى أن الأديان، أكثر تسامحا في نصوصها، من تطبيقات البشر، مقدما بعض الأدلة الشرعية كتلك التي تشمل أحكام الإسلام في مسائل مثل الزنا أو السرقة وغيرهما .. مشيراً إلى أن أحكام النص القرآني، هي في الغالب أرحم من أحكام الناس الذين يبالغون فيها، أو يحرفونها تماما.
¥