تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقد احتلت مكتبة برلين الوطنية نصيب الأسد من هذه المخطوطات إذ إن عددها يربو على عشرة آلاف مخطوط، فهرست في عشرة مجلدات، وفي مكتبة جامعة جوتنجن حوالي ثلاثة آلاف مخطوط من نفائس التراث العربي، وفي مكتبة جامعة توبنجن في جنوب المانيا العديد من المخطوطات والذخائر ناهيك عما فيها من كل اصدارات العالم العربي والإسلامي من كتب ودوريات منذ اختراع المطبعة، جاوز عمر بعضها المائة عام واختفت من المكتبات العربية وصار الحصول على بعضها ضرباً من المستحيل، كل ذلك محفوظ في مكتبة جامعة توبنجن مما يجعل دورها دوراً ثنائياً في خدمة المخطوط والمطبوع من الفكر العربي، ولقد عثرت في إحدى زياراتي على مخطوط فريد في العروض العربي وهو مخطوط “كتاب العروض” لعلي بن عيسى الربعي المتوفى سنة 420 ه وقمت بتحقيقه وعلى الرغم من مضي أكثر من ألف عام على المخطوط إلا أن حالته جيدة، وقد اغتظت ذات مرة من المبالغة في حفظ المخطوطات، وكانت إحدى موظفات المكتبة ترمقني وأنا أقلب المخطوط، وودت أن تقلب لي المخطوط بدلاً مني فصحت بها في لطف ممازحاً: ربما يكون هذا المخطوط بخط جدي.

فأردفت على التو: لكن لم يحافظ عليه أبوك. وربما كانت على حق في ذلك، حتى لو قلنا إنهم قد سرقوا هذه المخطوطات.

ثانيا: تحقيق المخطوطات العربية والإسلامية. ولم يقتصر دور المستشرقين الألمان على حفظ هذه المخطوطات فحسب بل عمدوا الى تحقيقها تحقيقاً علمياً ذا فهارس متعددة واستوجب تحقيقهم وضع مؤلفات تعد عمدا في موضوعاتها كالمعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم الذي وضعه المستشرق الألماني فلوجيل Flugel والمعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي، ومعجم شواهد العربية، وهي بحق مؤلفات رائدة يعتمد عليها المحققون العرب، وقد قام بعض العرب بالسطو عليها وكتبوا اسماءهم كمؤلفين لها وربما تواضعوا وذكروا اسم المستشرق الألماني في سطر في مقدماتهم الطويلة.

وقد حقق المستشرقون الألمان عدداً كبيراً من أمهات التراث العربي “الكامل” للمبرد و”تاريخ الطبري” الذي استغرق تسعة عشر عاماً من العمل المتواصل، ومؤلفات البيروني و”بدائع الزهور” لابن اياس و”طبقات المعتزلة” لابن المرتضى و”مقالات الإسلاميين” لأبي الحسن الأشعري، و”الفهرست” لابن النديم ومؤلفات ابن جني وعدداً كبيراً من دواوين الشعراء القدامى، وقد عكف ايفالدفاجنر على ديوان “أبي نواس” قرابة عشرين عاماً حتى أكمله تحقيقاً.

وهو دور يجب أن يحمدوا عليه، وقد يقال: إن بعض ما حققوه كان اختياراً متعمداً لبعض الكتب التي تعنى بالفرق الإسلامية واللهجات، وهي مقولة صحيحة لكن جل تحقيقهم كان بعيداً عن ذلك، فما علاقة تحقيق المعلقات وترجمتها بحالة العرب الآن وتشرذمهم وتخاذلهم؟

كما أن أخطاء كثيرة وقعت في تحقيقاتهم وهذا أمر منتظر، فسر العربية عصي على أبنائها، فكيف على غير ابنائها، وقد جاءت بعض الأخطاء مضحكة، فقد قرأت لأحد المستشرقين تحقيقاً لكتاب ورد فيه مقولة “أشهر من قفا نبك” وجاءت في المخطوط “أشهر من قفا نبك” وقام المستشرق الألماني بالبحث في المعاجم والقواميس عن شخصية “قفان بك” ومن عجب أنه قد وجد أن قائداً تركياً قديماً كان يدعى بهذا الاسم فعزا إليه الشهرة، ولم يهتد إلى معلقة امرئ القيس المبدوءة بقوله:

“قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل

بسقط اللوى بين الدخول فحومل”.

لكن ذلك الأمر لا يخلو منه المحققون العرب الذين يخطئون في أشياء مضحكة أيضاً.

وأود هنا أن أنوه بجهود مركزين هما: معهد الدراسات الشرقية في اسطنبول بتركيا، ومعهد الآثار والدراسات الشرقية في بيروت، اذ يعملان على تحقيق المخطوطات العربية والاسلامية ونشرها في سلسلتين هما: المكتبة الاسلامية، وسلسلة بيروت، وقد أسهمتا في نشر الكثير من النصوص الأدبية المخطوطة وتحقيقها كالوافي بالوفيات للصفدي على سبيل المثال.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير