5 - ضرورة بذل الجهد في طلب العلم: ومن المسلّم به أن الله ـ عز وجل ـ بنى حياة الإنسان على الأخذ ثم العطاء، فلا نيل دون جهد؛ فالجنة تُنال بالعمل، والنار تتجنب بالعمل، وتحقيق النجاح في الدنيا والفوز في الأخرى يتحقق بالعمل، وخصوصاً العلم؛ فلا يعقل أن يكتسب الإنسان علماً دون أن يبذل جهداً مقابل الحصول عليه، وهذا ما أكده أحد الصحابة الأجلاء فيما أخرجه مسلم في صحيحه قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ قَالَ: أخبرنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: «لاَ يُسْتَطَاعُ الْعِلْمُ بِرَاحَةِ الجِسْمِ»
6 - تجنب الخصال المبعدة عن التعلم: والعلم مطلوب، وبذل النفس والمال والعاطفة من أجل الحصول عليه أمور أساسية، ولكن هناك خصلتان تمنعان من توفره والحصول عليه، خصلتان يجب تجنبهما، وهما: الحياء في طلبه، والاستكبار عن أخذه، وفي ذلك يقول التابعي الجليل مجاهد بن جبر: «لاَ يَتَعَلَّمُ الْعِلْمَ مُسْتَحٍ وَلاَ مُسْتَكْبِرٌ» وَقَالَتْ عَائِشَةُ ـ رضي الله عنها ـ: «نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الأَنْصَارِ! لَمْ يَمْنَعْهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِى الدِّينِ
? خطورة رفع العلم وآثاره:
قال -صلى الله عليه وسلم-: «من أشراط الساعة أن يُرفع العلم، ويثبت الجهل، ويُشرب الخمر، ويظهر الزنا». وقال النبي الأمين: «بَيْنَ يَدَي السَّاعَةِ أَيَّامُ الْهَرْجِ، يَزُولُ الْعِلْمُ وَيَظْهَرُ فِيهَا الجهل»
وقال -صلى الله عليه وسلم-: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يترك عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً؛ فسُئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا»
وفي رواية البخاري عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: حَجَّ عَلَيْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْزِعُ الْعِلْمَ بَعْدَ أَنْ أَعْطَاهُمُوهُ انْتِزَاعاً، وَلَكِنْ يَنْتَزِعُهُ مِنْهُمْ مَعَ قَبْضِ الْعُلَمَاءِ بِعِلْمِهِمْ، فَيَبْقَى نَاسٌ جُهَّالٌ يُسْتَفْتَوْنَ فَيُفْتُونَ بِرَأْيِهِمْ، فَيُضِلُّونَ وَيَضِلُّونَ»
وإن كنا لا ننكر وجود الخير في هذه الأمة إلى يوم القيامة فإن ما أصبحنا نشاهده اليوم من اتِّباع العامة للسفهاء، وهجر العلماء لَخَيْر دليل على أننا أضحينا أقرب إلى وقوع الآفة التي حذرنا منها الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وإن حديث نبينا واقع لا محالة فينا.
ولعل من الآثار السلبية الواضحة لغياب العلم ورفعه ما يلي:
1 - حصول خلل في العقيدة:
إن غياب العلم برفعه أو بتغييبه عن واقع الأمة يُسهِّل على الشر والجهل العمل بسرعة من أجل الانتشار والتأثير، وأخطر تأثير يتسلط على الإنسانية بسبب غياب العلم: الجهل والتجهيل؛ حيث يحصل للناس نسيان الحقائق ثم تركها؛ فالابتعاد عنها، ثم استبدالها بما يضاد العلم والمعرفة. وأهم ما اكتسبه الإنسان بالعلم: العلم بالله وعبادته وتوحيده؛ فإذا غاب العلم حصل ابتعاد الناس عن توحيد الله وعبادته كما أمر، ثم يخلق الناس لأنفسهم؛ بسبب الجهل وغياب العلم آلهة تعبد، وهذا ما أكده ابن عباس حبر الأمة فيما أخرجه البخاري في صحيحه معلقاً قال: «صَارَتِ الأَوْثَانُ الَّتِي كَانَتْ فِى قَوْمِ نُوحٍ فِي الْعَرَبِ بَعْدُ ... »
2 - الاستخفاف بالعلم والعلماء:
وهذا أمر خطير؛ لأنه بحصوله يفقد الناس أطباءهم الروحيين، ويحصل الضلال المبين، وقد حذر الفقيه الجليل الإمام ابن حزم الظاهري من حدوث هذا الأمر؛ فقال منكراً على أهل زمانه استخفافهم بالعلماء: «صار الناس في زماننا يعيب الرجل من هو فوقه في العلم ليرى الناس أنه ليس به حاجة إليه، ولا يذاكر من هو مثله، ويُزهى على من هو دونه، فذهب العلم وهلك الناس»
ولن نذهب بعيداً، وننكر حدوث هذا الأمر، فكم استمعنا عبر الفضائيات إلى من يسب العلماء! وكم قرأنا من مقالات تطعن في علم بعضهم، وتسفِّه فكر الآخر؛ وهذا كله مع الأسف الشديد من قلة العلم وغياب فقه العلم.
3 - جرأة الفساق على العلم:
¥