عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن أمام الدجال سنين خَدَّاعة يُكَذَّبُ فيها الصادق، ويُصَدَّقُ فيها الكاذب، ويُخَوَّن فيها الأمين، ويؤتمن فيها الخائن، ويتكلم فيها الرُّوَيْبِضة. قيل: وما الروبيضة؟ قال: الفُوَيْسق يتكلم في أمر العامة» (10).
الرُّوَيْبِضة: أي الفاسق، وفي رواية التافه الذي يتكلم في أمور الدين وهو جاهل لأيسر قضاياه، وأمثال هؤلاء كثيرون في زمننا، بل وفي كل الأزمنة التي مرت بالمسلمين، ولكنهم سيظهرون بكثرة في زمننا لغياب العلماء، وابتعادهم عن واجبهم ومسؤوليتهم، وترك الحبل على الغارب لمن لا يحسن الكلام؛ فكيف بالفتوى وإصدار الأحكام؟
4 - ولاية الدين من غير أهله:
وهذا يعني الترامي ـ إن صح التعبير ـ على العلم الشرعي من غير أهله وذويه، أو تولية غير أهله له؛ حيث يتقدم للفتوى من لا يدريها، ويُقدّم لها من لا يستحقها، كما يُقدمون لتعليم الناس، فيحتلون بذلك مناصب هم أبعد ما يكونون عنها،
فتولي أمر الفتوى وأمر الدين من غير أهله وذويه يطعن الأمة في عمقها، ويسبب تشتتها وتمزقها؛ إذ الدين هو موحدها وجامع كلمتها، وبتوليه من غير أهله تحصل كارثة في الأمة؛ إذ يمكن قبول أي ارتماء على أي مهنة أو حرفة إلا الارتماء على العلوم الشرعية وأمور الدين.
5 - كثرة المعارف وقلة العمل:
حيث روي عن زياد بن لبيد قال: ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- شيئاً، فقال: «ذاك عند ذهاب العلم، قلت: يا رسول الله! وكيف يذهب العلم ونحن نقرأ القرآن ونقرئه أبناءنا، ويقرئه أبناؤنا أبناءهم إلى يوم القيامة؟ قال: ثكلتك أمك، زياد! إن كنت لأراك من أفقه رجل بالمدينة، أوَ ليس هذه اليهود والنصارى يقرؤون التوراة والإنجيل، لا يعملون بشيء مما فيهما؟»
- وعن أبي هريرة قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عليه، ورَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ فَأُتِيَ بِهِ، فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ، وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ، وَقَرَأْتَ الْقَرْآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِئٌ؛ فَقَدْ قِيلَ. ثُمَّ أُمِرَ بَهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ ... »
والعلم أيضاً مطلوب؛ لأنه طريق العمل؛ فلا عمل دون علم، والله لا يُعبَد بالجهل، وهو القائل: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا} [الأنعام: 132]. والعلم إذا لم يكن ثمرة في القلب، والجوارح، والمعاملات؛ فكأنه لم يكن.
وقال -صلى الله عليه وسلم- أيضاً: «إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض، حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت في جوف البحر ليصلُّون على معلم الناس الخير»
6 - اتِّباع أهل الكتاب:
وقد حذر الشارع المسلمين من عداوة أهل الكتاب لأهل الإيمان من أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-، وبيّن لنا في القرآن أن عداوتهم لن تنقطع، ولن يرضوا عن حالنا إلا إذا أبعدونا عن ديننا، أو نتبع ملتهم، فقال ـ سبحانه ـ: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة: 120]. وقال أيضاً: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} [المائدة: 82].
كما أخبر الرسول الكريم بأن من سنن الله في خلقه، وفي هذه الأمة اتباع أهل الكتاب في كل ما نحلوه وفعلوه، فقال: «لتتبعُنَّ سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع، حتى إذا دخلوا جحر ضب دخلتموه»
فالأمة مطالبة اليوم بالحذر، وبالاحتياط فيما تأخذ وتتبع؛ فالإسلام لا يعادي الأخذ من الآخر ولا الاستفادة من تجارب الأمم وحضارتهم، ولكنه يعادي التقليد الأعمى، والتلقي السالب الذي يسلب المرء من كرامته وشخصيته وهويته؛ حيث قال -صلى الله عليه وسلم- محذراً من التقليد كيفما كان: «لا تكونوا إمَّعة تقولون: إنْ أحسن الناس أحسنّا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطِّنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساؤوا فلا تظلموا» وعن حرب بن إسماعيل الكرماني، قال: قلت لإسحاق بن راهويه: ما معنى قوله: «إمَّعة»؟ قال: تقول: إن ضل الناس ضللتُ، وإن اهتدوا اهتديت»
منقول من مجلة البيان وللموضوع بقية ( http://www.albayan-magazine.com/bayan-211/bayan-02.htm)
ـ[أحمد العمراني]ــــــــ[19 Sep 2010, 05:06 م]ـ
أشكر الأخت إمداد على رفع موضوعي هذا لأهل ملتقى التفسير، وسأعمل على إعادة نشره كاملا إن شاء الله.,