تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أما كونه من فعل النساء فدليله ما ثبت في الصحيح و غيره عن سهل بن سعد الساعدي، أن رسول الله صلى الله عليه و سلم ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليُصلح بينهم، فحانت الصلاة، فجاء المؤذن إلى أبي بكر، فقال: أتصلي للناس فأقيم؟ قال: نعم، فصلى أبو بكر، فجاء رسول الله صلى الله عليه و سلم و الناس في الصلاة، فتخلص حتى وقف في الصف، فصفَّق الناس، و كان أبو بكر لا يلتفت في صلاته، فلما أكثر الناس التصفيق الْتَفَتَ، فرأى رسول الله صلى الله عليه و سلم، فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه و سلم أن أمكث مكانك. فرفع أبو بكر رضي الله عنه يديه، فحمد الله على ما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك، ثم استأخر أبو بكر حتى استوى في الصف، و تقدم رسول الله صلى الله عليه و سلم فصلى، فلما انصرف قال: (مَا مَنَعَكَ أَنْ تَثْبُتَ إِذْ أَمَرْتُكَ؟). فقال أبو بكر: ما كان لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (مَا لِي رَأَيْتُكُمْ أَكْثَرْتُمْ التَّصْفِيقَ؟ مَنْ رَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلاتِهِ فَلْيُسَبِّحْ، فَإِنَّهُ إِذَا سَبَّحَ الْتُفِتَ إِلَيْهِ، و إِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ)

و ظاهر هذا الحديث قَصرُ التصفيق على النساء، لاستهلاله بأداة الحصر (إنَّما) فيكون معناه: لا تصفيق إلا للنساء. قال الشوكاني [في نيل الأوطار]: (قوله: " إنما التصفيق للنساء " يدل على منع الرجال منه مطلقاً).

غير أنَّ ظاهر الحديث لا دليل فيه على أن نهي الرجال عن التصفيق يسوي في الحكم بين كونه داخل الصلاة أو خارجها، و إن كان ذلك محتملاً، و القاعدة تقول: إذا وقع الاحتمال بطل الاستدلال.

بل الظاهر أن الترخيص في التصفيق للنساء مقتصر على كونهن في الصلاة إذا نابهن فيها شيء، أما خارج الصلاة فهن و الرجال في الحكم سواء، و النهي عن التصفيق خارجها يحتاج إلى دليل خاص، و الله أعلم.

أما مَن عدَّ التصفيق تشبهاً بالمشركين في صلاتهم عند البيت العتيق فقد استند في حكمه إلى قوله تعالى: ? وَ مَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلا مُكَاءً و َتَصْدِيَةً? [الأنفال: 35].

و المشهور عند أهل التفسير أن المراد بالمكاء هو التصفير، و المراد بالتصدية هو التصفيق، و أصله في اللغة كما قال الإمام الطبري في تفسيره من مَكَا يَمْكُو مَكْوًا وَمُكَاء , وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْمَكْو: أَنْ يَجْمَع الرَّجُل يَدَيْهِ ثُمَّ يُدْخِلهُمَا فِي فِيهِ ثُمَّ يَصِيح، و هذا هو الصفير، وَ أَمَّا التَّصْدِيَة فَإِنَّهَا التَّصْفِيق، يُقَال مِنْهُ: صَدَّى يُصَدِّي تَصْدِيَة، وَ صَفَّقَ وَ صَفَّحَ بِمَعْنىً وَاحِد.

غير أن في النفس شيءٌ من اعتبار مطلق التصفيق تشبهاً بما يفعله المشركون أو كانوا يفعلونه في صلاتهم عند البيت، لأن التشبه لا بد فيه من النية، و في الواقع صور من التصفيق تقع من أناسٍ لا عِلمَ لهم أصلاً بأن أهل الجاهلية كانوا يصفقون عند البيت، فكيف ننسبهم إلى التشبه بالمشركين مع أن ذلك لم يدُر في خَلَدهم قط!!

و عليه فلا بد في هذا المقام من تقرير أن الحكم على الشيء فرعٌ عن تصوره، و حيث إنَّ صُوَرُ التصفيق تختلف باختلاف نية المصفقين و حالهم، فإن حكمه يختلف من حال إلى حال، بحسب التفصيل التالي:

أولاً: اتخاذ التصفيق عبادة في ذاته، أو التصفيق أثناء عبادة مشروعة الأصل، حرامٌ مطلقاً، لما فيه من التشبه بالكفار في عبادتهم من جهة، و لأنه بدعة محدثة من جهة أخرى.

و كثيراً ما يقع التصفيق في مجالس الذكر البدعية على نحو ما يفعله غلاة الصوفية، و قد ذمَّ العلماء هذا النوع من التصفيق، و شنعوا على فاعله، و بالغوا في إنكاره، سواء كان بباطن الأكف، أو بظاهرها، أو بباطنٍ على ظاهرٍ، أو العكس.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير