قال سلطان العلماء العز بن عبد السلام رحمه الله: (و من هاب الإله و أدرك شيئا من تعظيمه لم يتصور منه رقص و لا تصفيق، و لا يصدر التصفيق و الرقص إلا من غبي جاهل، و لا يصدران من عاقل فاضل، و يدل على جهالة فاعلهما أن الشريعة لم ترد بهما في كتاب و لا سنة، و لم يفعل ذلك أحد الأنبياء و لا معتبر من أتباع الأنبياء، و إنما يفعل ذلك الجهلة السفهاء الذين التبست عليهم الحقائق بالأهواء، و قد قال تعالى: ? وَ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ ? و قد مضى السلف و أفاضل الخلف و لم يلابسوا شيئا من ذلك، و من فعل ذلك أو اعتقد أنه غرض من أغراض نفسه و ليس بقربة إلى ربه، فإن كان ممن يقتدى به و يعتقد أنه ما فعل ذلك إلا لكونه قربة فبئس ما صنع لإيهامه أن هذا من الطاعات، و إنما هو من أقبح الرعونات). [قواعد الأحكام: 2/ 220 و ما بعدها].
ثانياً: تصفيق المرء ابتهاجاً بأمر مباح أو مستحسنٍ ـ عقلاً أو نقلاً ـ بَلَغَهُ، أو رآه، أو سمعه. أو تشجيعاً لمن صدر منه، فهذا أمر لم يقم الدليل على تحريمه، و لكن الواجب أن يزم بزمام الشريعة، فلا يسوغ إلا إذا انتظمت فيه ثلاثة شروط:
أولها: أن لا يعتقد فاعله أنه مما يستحب شرعاً، لأن الاستحباب الشرعي توقيفي لا يقال به إلا بدليل.
و ثانيها: أن لا يضاهي بفعله سنةً كالتكبير أو التسبيح عند استحسان الأمور، أو نحو ذلك، لأن مضاهاة المشروع من أمارات البدع المنكرة.
و ثالثها: أن لا يراد بفعله مجاراة الكافرين أو التشبه بهم على سبيل استحسان ما هم عليه أو تفضيله على ما هو معروف عند أهل الإسلام في مثل محله.
فائدة: تكلم بعض أهل العلم في صِيَغ التصفيق، ففرَّق بين ما كان عبارةً عن ضَرب باطن الكفين ببعضهما، و بين ما كان عبارةً عن ضرب باطن كفٍّ بظهر الأُخرى.
قال الإمام النووي في المجموع [1/ 196]: (و يسنّ لمن نابه شيءٌ في صلاته كتنبيه إمامه لنحو سهوٍ، و إذنه لداخل استأذن في الدخول عليه، و إنذاره أعمى مخافة أن يقع في محذورٍ، أو نحو ذلك؛ كغافلٍ و غير مُمَيِّز، و مَن قَصَدَه ظالمٌ أو نحوُ سَبُعٍ؛ أن يسبح و تصفق المرأة، و مِثْلها الخنثىِ، بضرب بطن اليمين على ظهر اليسار، أو عكسهِ، أو بضرب ظهر اليمين على بطن اليسارِ، أو عكسهِ ... و أما الضرب ببطن إحداهما على بطن الأخرى؛ فقال الرافعي: لا ينبغي فإنه لعبٌ، و لو فَعَلَتْه على وجه اللعب عالمةً بالتحريم بطلت صلاتها و إن كان قليلاً؛ فإن اللعب ينافي الصلاة).
قلتُ: و لا أعرف دليلاً على هذا التفريق في صفة التصفيق إلا أن يكون خروجاً مِنْ ذَمِّهِ عند من عدَّه لعباً، و ذلك بالردِّ إلى لغة العرب، حيث ذهب بعضهم إلى أنَّ ضربَ باطِنِ الكفٍّ بظهر الأخرى يسمَّى تصفيحاً لا تصفيقاً، فلا يُذمُّ فاعِلُه، و قد رأيت من المتصوفة في حلب من يفعله و يعدُّه تصفيحاً لا تصفيقاً في مجالس الذكر، أو حينما يَطرَبُ لنشيدٍ و قصيدٍ و نحوه.
و لهم رواية (إنما التصفيح للنساء) في الصحيحن و غيرهما، بدَل رواية (التصفيق للنساء) المتقدمة.
و عند أبي داود (بإسناد قال عنه الشيخ الألباني: صحيح مقطوع): عن عيسى بن أيوب قال: قوله: " التصفيح للنساء " تضربُ بإصبعين من يمينها على كفها اليسرى. ا هـ.
قال الإمام النووي [في شرح صحيح مسلم: 4/ 146]: (السنة لمن نابه شيءٌ في صلاته؛ كإعلام من يستأذن عليه، و تنبيه الإمام و غير ذلك أن يسبح إن كان رجلاً؛ فيقول: سبحان الله، و أن تُصفِّق و هو التصْفيح إن كانتْ امرأةً؛ فتضرب بطن كفها الأيمن على ظهر كفها الأيسر، و لا تضرب بطن كفٍّ على بطن كفٍّ على وجه اللعب و اللهو، فإن فعلت هكذا على جهة اللعب بطلت صلاتها لمنافاته الصلاة).
و قال الإمام الشوكاني رحمه الله [في نيل الأوطار]: (قوله " فإنما التصفيق للنساء " هو بالقاف. و في رواية لأبي داود " فإنما التصفيح ". قال زين الدين العراقي: و المشهور أن معناهما واحد، قال عقبة: و التصفيح التصفيق، و كذا قال أبو علي البغدادي، و الخطابي، و الجوهري. قال ابن حزم: لا خلاف في أن التصفيح و التصفيق بمعنى واحد و هو الضرب بإحدى صفحتي اليدين على الأخرى. قال العراقي: و ما ادعاه من نفى الخلاف ليس بجيد بل فيه قولان آخران: إنهما مختلفا المعنى؛ أحدهما: أن التصفيح الضرب بظاهر إحداهما على الأخرى، و التصفيق الضرب بباطن إحداهما على الأخرى، حكاه صاحب الإكمال، و صاحب المُفهِم. و القول الثاني: أن التصفيح الضرب بإصبَعَين للإنذار والتنبيه، و بالقاف بالجميع للهو و اللعب
هذا، و الله أعلم و أحكم، و ما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت و إليه أنيب
د. أحمد بن عبد الكريم نجيب
ـ[أبو عمار المليباري]ــــــــ[21 Jun 2005, 09:49 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
هناك كتاب جيد للشيخ العلامة ناصر الفهد حول مسألة التصفيق فإنه كتاب توسع فيه المؤلف وأطال نفسه في ذكر الأدلة وأقوال العلماء، اسم الكتاب (التحقيق في مسألة التصفيق).