وهي كما تأتي للتوكيد تأتي للتفصيل، كما في قوله تعالى: "فأمّا اليتيم فلا تقهر وأمّا السائل فلا تنهر وأمّا بنعمة ربِّك فحدّث- ونحو ذلك ما جاء في سورة الكهف: "أما السفينة فكانت لمساكين/79"، "وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين/80"، "وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين/82".
والكتَّاب قد يهملون إدخال الفاء في جواب (أمّا) فيقولون: (أما خالد هو شاعر) وهذا خطأ إذ لابد من دخول الفاء في جوابها كما تدخل في أجوبة الشرط، ولا تسقط إلا لضرورة كقول الشاعر (أما القتال لا قتال لديكم) والأصل: فلا قتال لديكم.
وقد جاء في كتاب (الضرائر) لمحمود شكري الآلوسي: "أما، لنيابتها عن –مهما يكن من شيء- لزمت الفاء في جوابها، ولا تسقط إلا لضرورة، كما في قول الشاعر:
"فأما القتالُ لا قتال لديكم
ولكن سيراً في عراض المراكب"
يعيِّر الشاعر خصومه بالجبن فيقول لهم: لم تقتنوا الخيل فتعدُّوها للحرب والقتال، وإنما تعدّونها لتركبوها للزينة.
ولا تدخل (أما) على فعل لأنها قائمة مقام أداة الشرط وفعله، فلا يدخل فعل على فعل. وهي لا تعمل غالباً فيقع بعدها المبتدأ كقولك (أما خالد فكريم نبيل)، ومن ذلك قوله تعالى: "فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون .. الآية- البقرة/ 26". أو يقع بعدها الخبر كقولك (أما في الدار فزيد)، أو تقع جملة الشرط كقوله تعالى: "فأمّا إن كان من المقرَّبين فروحٌ وريحانٌ وجنة نعيم، وأمّا إن كان من أصحاب اليمين فسلامٌ لك من أصحاب اليمين- الواقعية /88و 89".
فإذا تلاها منصوب فقد يكون معمولاً للجواب كقوله تعالى:" فأما اليتيم فلا تقهر –الضحى/9" أو يكون معمولاً لمحذوف بعد الفاء كقوله تعالى: "وأما ثمودَ فهديناهم –فصِّلت/17" على قراءة النصب.
وقد تعمل (أمّا) لما فيها من معنى الفعل، ولكن ليس في اسم ظاهر، بل في ظرف، تقول: (أما اليومَ فإني ذاهب) أو جار ومجرور، تقول: (وأما في الدار فإن زيداً جالس) ولا يعمل ما بعد (فإن) فيما قبلها. وقد تعمل في الحال المفرد إذا كان منكراً كما تعمل في الجملة الحالية. ومثال الحال المفرد قولك (خالد أديب حقاً، فأما شاعراً فهو خبير بقرض الشعر يتدفق عن سجية وطبع، وأما كاتباً فهو حسن الترسل بليغ العبارة). وأما مثال الجملة الحالية فما ذكرناه قبل من قول الجاحظ: "فأمّا، والأمر كما وصفنا وبينا، فما الطاعن على عثمان إلا رجل أخطأ الحق وعجَّل على صاحبه- حجج النبوة من رسائل الجاحظ- للسندوبي/122".
6 - إمّا:
إمّا بكسر الهمزة وتشديد الميم حرف تخيير أو شك أو تفصيل، ويلزمه التكرير. تقول: (اِِضربْ إما زيداً وإما عمراً) كما تقول: (اضرب زيداً أو عمراً)، وإنما كررت (إما) في القول الأول بدلاً من (أو) في القول الثاني لأنك إذا قلت: (اضرب زيداً أو عمراً) فقد ابتدأت بذكر (زيد) وليس عند السامع أنك تريد غيره ثم جئت بالتخيير. أما إذا قلت (اضرب إما زيداً وإما عمراً) فقد وضعت كلامك ابتداءً على التخيير. وفي الإعراب تقول: (إما) حرف تخيير و (زيداً) مفعول به. والواو حرف زائد و (إما) الثانية حرف عطف. ومنهم من ذهب إلى أن (وأما) جميعاً حرف عطف.
وتقول في معنى الشك: (لقيت إما زيداً وإما عمراً) ..
وجاء في معنى التفصيل قوله تعالى: "إنّا هديناه السبيلَ إمّا شاكراً وإمّا كفوراً- الدهر/3".
وفي كلام الكتَّاب قولهم: (اضرب إمّا هذا أو هذا) بإحلال (أو) محل (وإما) وهذا صحيح .. فقد جاء في التنزيل: (وإنا وإياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين –سبأ/24" وقد قرئ أيضاً (إمّا على هدى أو في ضلال مبين). قال الإمام المرادي في كتابه (الجنى الدالي): "قد يستغنى عن إمّا الثانية بأو كقراءة من قرأ وإنّا وإيّاكم إمّا على هدى أو في ضلال مبين" وقال الشاعر:
يعيش الفتى في الناس إمّا مشيّعا
على الهمّ أو هلباجة متنعماً
والهلباجة الأحمق.
وقد يستغنى عن (إما) الثانية بذكر ما ينوب عنها، تقول: (إما أن تكلم بخير وإلا فاسكت). وقد أورد ابن هشام في كتابه (المغني) شاهداً على ذلك قول الشاعر:
فإما أن تكون أخي بصدقٍ
فأعرفَ منك غثي من سميني
وإلاَّ فاطرحني واتخذني
عدواً أتقيك وتتقيني
فالغث في الأصل هو المهزول وهو هنا الرديء، والسمين في الأصل خلاف المهزول وهو هنا الجيِّد. و (إلاّ) هنا نائبة مناب (إمّا).
¥