تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقد عني علم اللغة الحديث بهذا منذ القرن الماضي وأسمى العلماء أصول البحث فيه: علم معاني الأسماء Science de Sémantique واللفظ مستعار من اليونانية Sêmantikos أي المعنى ولعل أول رسالة ألفّت في ذلك رسالة العالم اللغوي الفرنسي (ميكال بريال: Michel Bréal عام 1897، وعنوانها Essai de Sémantique و (بريال) هذا من العلماء المحققين في علم اللغة التاريخي، وقد توفي 1915م (1).

يقول العالم الإنكليزي (سكيت ولتر وليم) المتوفى عام 1914: (يُنصح المؤلف بتحقق طبيعة استعمال اللفظ في أول نشأته. ويُعين في هذا التحقق ملاحظة النصوص المنقولة التي جرى اللفظ في أثنائها منذ نشأته الأولى) (2). ويقول الأستاذ عبد الرحمن الحاج صالح في مقاله الطريف (مدخل إلى علم اللسان الحديث) (3): (اللسان لا يحدد مضمونه المادي والصوري إلا على أساس المواقع التي تقع فيها وتتعاقب عليها عناصره، إما في درج الكلام فيما يخص الوحدات الدالة، وإما في مدارج الجهاز الصوتي فيما يخص العناصر غير الدالة (4)، وذلك مثل مدلولات الألفاظ فإنها لا تحدد إلا بسياقاتها، لا بما تذكره المعاجم من معانيها، لأن المعاجم تكتفي غالباً بذكر بعض المعاني بالاعتماد على بعض السياقات. وإنما يكون المعجم هو أساس في تحديدها إذا لم يرد اللفظ في أي نص إلا في الذي يذكره هو وحده) ويردف (فبتلك المواقع التي يشاهدها اللغوي في الكلام المسموع يستطيع أن يعرف، بالموضوعية المطلقة، أنواع الأداء وتشعبات المعاني الجزئية. ثم بالنظر في كيفية تقابلها بعضها ببعض وتعاقبها على الموضع الواحد، ودخول هذه على تلك، يستطيع أيضاً أن يكشف عن وضعها ونظامها .. ). فعلى الناقد إذاً ألا يتلمس معاني الكلم في نصوص معاجمنا وما يتصل بها وحسب، بل عليه أن يبتغيها في معالمها الأخرى، ويتطلبها من مآتيها المتعددة. ويؤديه هذا إلى البحث عن أوجه تصرف الكلم في متنوع النصوص المحكية، وصور دلالاتها في سائر الموضوعات المطروحة، كما يقتاده إلى التماس وجوه التقلب التي تلحق بها وصور تجدد أغراضها ومراميها، وانحرافها عن أصولها وتشعبها عن جذورها وذلك بتبدل الموضوعات والبيئات وتغير الأفكار والأحكام واختلاف العصور والأزمان. والأصل في اللفظ أن تتباين شعاب معانيه فيكون له من تدرجه وتقلب دلالاته مجال بسيط ومذهب فسيح.

* * *

هذا والسبيل إلى تدرج المعاني هو المجاز والنقل. والذي نريده ها هنا بالمجاز معناه اللغوي الشامل الذي أخذ به المبرّد في كامله (2/ 301) وابن جنيّ في خصائصه (2/ 446) وابن رشيق في عمدته. وهو طريق القول ومأخذه على حد تعبير ابن رشيق، أي كل ما جزت به الأصل لمناسبة في التركيب والاستعمال فاحتاج في إعادته إليه، إلى تأويل بإظهار مواضع الحذف أو الزيادة أو التقديم أو التأخير أو غير ذلك. فهو لا يقتصر على استعارة أو مجاز كما فعل أصحاب البيان. فقد ذهب هؤلاء إلى أن المجاز هو انتقال اللفظ من المعنى الذي وضع له إلى المعنى الذي انتهى إليه بمناسبة أو علاقة تبنى على مجرد التشبيه كالاستعارة أو غير التشبيه كسببية أو مجاورة كما هو المجاز المرسل أو تشبيه تمثيل كما هو المجاز المركب. ولم يتعدوا به هذا الحد إلى ما يتناوله علم البيان وهو يشمل التشبيه والمجاز والكناية جميعاً، أو ينطوي عليه البديع من وجوه تحسين الكلام.

قال المبرّد: (من الآيات التي ربما يغلط في مجازها النحويون قوله تعالى: فمن شهد منكم الشهر فليصمه، والشهر لا يغيب عنه أحد، ومجاز الآية: فمن كان منكم شاهد بلده في الشهر فليصمه. والتقدير فمن كان شاهداً في شهر رمضان فليصمه. ونصب الشهر للظرف لا نصب المفعول). كما حكا الثعالبي في فقه اللغة (546). وأوضح المبرد كلامه فقال (أي أن نصب الشهر نصب الظروف لا نصب المفعول به).

وقال ابن جني: (أبواب الحذف والزيادات والتقديم والتأخير والحمل على المعنى والتحريف كلها من المجاز).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير