تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقد ذكر أن سبب نزول الآية، أن صهيبا خرج مهاجرا من مكة إلى المدينة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلحقه المشركون وهو وحده، فنشل كنانته، وقال: والله لايأتي رجل منكم إلا رميته، فأراد قتالهم وحده، وقال: إن أحببتم أن تأخذوا مالي بمكة فخذوه، وأنا أدلكم عليه، ثم قدم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ربح البيع أبا يحيى.

وروى أحمد بإسناده أن رجلا حمل وحده على العدو فقال الناس: ألقى بيده إلى التهلكة، فقال عمر: كلا بل هذا ممن قال الله فيه: (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله، والله رؤوف بالعباد).

وقول تعالى (يشري نفسه) أي يبيع نفسه، فيقال: شراه وبيعه سواء، واشتراه وابتاعه سواء، ومنه قوله (وشروه بثمن بخس دراهم معدودة) أي باعوه.

فقوله تعالى (يشري نفسه) أي يبيع نفسه لله تعالى ابتغاء مرضاته، وذلك يكون بأن يبذل نفسه فيما يحبه الله ويرضاه، وإن قتل أو غلب على ظنه أنه يقتل.

كما قال تعالى (إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ).

وهذه الآية وهي قوله: (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم) يدل على ذلك أيضا.

فإن المشتري يسلم إليه ما اشتراه، وذلك ببذل النفس والمال في سبيل الله وطاعته، وإن غلب على ظنه أن النفس تقتل والجواد يعقر، فهذا من أفضل الشهادة.

لما روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من أيام العلم الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام) يعني أيام العشر.

قالوا: يارسول الله! ولا الجهاد في سبيل الله؟

قال: (ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء)

وفي رواية (يعقر جواده وأهريق دمه).

وفي السنن عن عبدالله بن حبشي أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل أي العلم أفضل؟ قال طول القيام.

قيل أي الصدق أفضل، قال: جهد المقل.

قيل: فأي الهجرة أفضل؟ قال: من هجر ما حرم الله عليه.

قيل فأي الجهاد أفضل؟ قال: من جاهد المشركين بنفسه وماله.

قيل: فأي القتل أشرف؟ قال: من أهريق دمه، وعقر جواده.

وأيضا فإن الله تعالى قد أخبر أنه أمر خليله أن يذبح ولده ليبتليه هل يقتل ولده في محبة الله وطاعته؟

وقتل الإنسان ولده قد يكون أشق عليه من تعريضه نفسه للقتل، والقتال في سبيل الله أحب إلى الله مما ليس كذلك.

والله سبحانه أمر ابراهيم بذبح ابنه قربانا، ليمتحنه بذلك، ولذلك نسخ ذلك عنه لما علم صدق عزمه في قتله، فإن المقصود لم يكن ذبحه ولكن ابتلاء ابراهيم.

والله تعالى يبتلي المؤمنين ببذل أنفسهم، ليقتلوا في سبيل الله ومحبة رسوله، فإن قتلوا كانوا شهداء، وإن عاشوا كانوا سعداء.

كما قال تعالى (قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين).

وقد قال لبني اسرائيل: (فتوبوا إلى أنفسكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم)

أي ليقتل بعضهم بعضا، فألقي عليهم ظلمة، حتى جعل الذين لم يعبدو العجل، يقتلون الذين عبدوه.

فهذا الذي كان في شرع من قبلنا، من أمره بقتل بعضهم بعضها قد عوضه الله بخير منه وأنفع، وهو جهاد المؤمنين عدو الله وعدوهم، وتعريضهم أنفسهم لأن يقتلوا في سبيله بأيدي عدوهم لا بأيدي بعضهم بعضا، وذلك أعظم درجة وأكثر أجرا.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير