وقد قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذاً لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْراً عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا).
وأيضا فإن الله أمر بالجهاد في سبيله بالنفس والمال مع أن الجهاد مظنه القتل بل لابد منه في العادة من القتل.
وذم الذين ينكلون عنه خوف القتل وجعلهم منافقين.
فقال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً * أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِ اللّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ فَمَا لِهَؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا).
وقال تعالى: (وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُولا * قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا * قُلْ مَن ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُم مِّنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا).
فأخبر سبحانه أن الفرار من الموت أو القتل ينفع أبدا، بل لابد أن يموت العبد وما أكثر من يفر فيموت او يقتل، وما أكثر من ثبت فلا يقتل.
ثم قال: ولو عشتم لم تمتعوا إلا قليلا ثم تموتوا.
ثم أخبر أنه لاأحد يعصمهم من الله، إن أراد أن يرحمهم أو يعذبهم، فالفرار من طاعته لاينجيهم.
وأخبر أنه ليس لهم من دون الله ولي ولانصير.
وقد بين في كتابه أن ما يوجبه الجبن من الفرار هو من الكبائر الموجبة للنار، فقال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ * وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ).
فأخبر أن الذين يخافون العدو خوفا منعهم من الجهاد منافقون، فقال: (وَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ * لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَّوَلَّوْاْ إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ).
وفي الصحيحين: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه عد الكبائر، فذكر: (الشرك بالله، وعقوق الوالدين، والسحر، واليمين الغموس، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات) وذكر منها (الفرار يوم الزحف في الصفين).
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (شر ما في المرء شح هالع، أو جبن خالع) رواه أبو داود وأحمد.
أدلة السنة:
ــــــ
أما دلالة سنة النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك فمن وجوه كثيرة:
منها أن المسلمين يوم " بدر " كانوا ثلاثمائة وبضعة عشرة، وكان عدوهم بقدرهم ثلاث مرات أو أكثر، وبدر أفضل الغزوات وأعظمها.
فعلم أن القوم يشرع لهم أن يقاتلوا من يزيدون على ضعفهم، ولافرق في ذلك بين الواحد والعدد، فمقاتلة الواحد للثلاثة كمقاتلة الثلاثة للعشرة.
وأيضا فالمسلمون يوم " أحد" كانوا نحوا من ربع العدو، فإن العدو كانوا " ثلاثة آلاف " أو نحوها، وكان المسلمون نحو السبعمائة أو قريبا منها.
¥