وهذه الكلمة تحتمل معنيين: بنوة الهداية، والإيمان، والتشريف، وهو ما يسمونه بالبنوة الروحية، ويقال في مقابلها: أبناء الشيطان، وأبناء الأفاعي كما جاء في الإنجيل في وصف اليهود: (يا أبناء الأفاعي)، والكل يعلم أنهم ليسوا أبناء الأفاعي من النسب، ولا الشيطان من الصلب، وإنما نسبوا إلى الأفاعي لمكرهم وخطرهم، وسمومهم، وإلى الشيطان لتلبيسهم، وكذبهم.
والنسبة إلى الله بالأبناء للهداية، والتوفيق، والعمل بشريعة الله، والسير على هداه، والإستضاءة بنوره المنزل على عباده المرسلين.
والمعنى الثاني نبوة النسب، والإبن الذي هو قطعة من أبيه، وبضعة منه.
ولا شك عند كل ذي لب، وإيمان، وبصيرة، وتمييز بين الخالق، والمخلوق أن المعنى الثاني منتف عن الله سبحانه وتعالى، فليس بين الله وأحد من خلقه بنوة نسب قط، تعالى عن ذلك علواً كبيراً، وإذا كانت هذه اللفظة: (ابن الله) دائرة في المعنى بين بنوة الشريف، والإيمان، والتقديس، والمحبة .. وبين بنوة النسب، والولادة، والجزئية، فتكون هذه اللفظة هنا من المتشابه الذي يجب أن يحمل على المحكم الذي لا يتغير معناه، واللفظ المحكم هو ما لا يكون معناه إلا واحداً، ولا يختلف أهل اللسان فيه، ولا أهل العقل حول حقيقة معناه.
ونحن نورد هنا عشرات من الأدلة من الإنجيل نفسه أن لفظ (ابن الله) الوارد في الأناجيل، وفي كتب رسل المسيح -عليه السلام- ما أريد بها إلا بنوة التشريف، والتقديس، والرفعة، والمحبة، وأنها لا تنتمي إلى بنوة النسب، والولادة بأي حال تعالى الله عما يقول الجاهلون الكافرون الضالون علواً كبيراً.
فقول إبليس المتكرر .. (إن كنت ابن الله) هو من هذا الباب. ومن ذلك قول عيسى لتلاميذه:- (وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم، ويضطهدونكم لتكونوا أبناء أبيكم الذي في السماوات) (متى 6/ 45).
وقوله عليه السلام: (فعندما تصلي فادخل غرفتك، وأغلق عليك بابك، وصل إلى أبيك الذي في الخفاء، وأبوك الذي يرى في الخفاء هو يكافئك) (متى 6/ 7).
ومثل هذا كثير جداً من الكلام المنسوب إلى المسيح عليه السلام، وكله شاهد أنه كان يستعمل اسم (الأب) في التعبير عن الله بمعنى المربي، والذي يكلأ عباده المؤمنين وليس بمعنى أبوة النسب، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
5 - قول إبليس لعيسى: "إن كنت ابن الله فاطرح نفسك إلى أسفل لأنه قد كتب: يوصي ملائكته بك فيحملونك على أيديهم لكي لا تصطدم قدمك بحجر"!! فقال عيسى: (وقد كتب أيضاً: لا تجرب الرب إلهك)!!.
في هذا النص إقرار عيسى لإبليس على النص السابق من كلام الله، وأنه هو المقصود به، وإذا كان هو المقصود بذلك، فكيف يكون هو ابن الله أو الله كما يدعون ويزعمون أن صفاته وأعماله هي صفات الرب وأعماله ثم يقال عنه: (يوصي ملائكته بك)!!
فهل يحتاج الإله الرب أن يُوَصَّى عليه، وأن يكون الملائكة حفظٌ له، وحماية له ألا يصطدم قدمه بحجر!!، وهل يكون من يحتاج أن تحميه الملائكة من السقوط إلا عبداً محتاجاً ذليلاً فقيراً؟!!
6 - قول عيسى –عليه السلام- رداً على إبليس وقد كتب أيضاً: "لا تجرب الرب إلهك"!!
فهذا من أعظم الأدلة على أن عيسى يعتقد أن الله سبحانه وتعالى هو ربه، وهو إلهه وأنه لا يحسن به أن يجربه بمعنى أن يطلب منه شيئاً لينظر أيقدر عليه أم لا؟ فإذا كان عيسى –عليه السلام- هو الله كما يزعمون فمن يجرب؟! هل يجرب أباه؟! فينظر أيحميه من الحجارة أم لا؟ أم يجرب نفسه فينظر هل يستطيع إذا قفز من فوق الهيكل أن يحمي نفسه من السقوط أم لا؟ تباً لعقول تقرأ ولا تفقه!!.
هل هناك أصرح من هذا الدليل في أن عيسى -عليه السلام- يتبرأ من الحول، والقوة، ويجعل الله وحده هو صاحب الحول، والقوة، وأنه هو وحده ربه وإلهه.
7 - دعوة إبليس للمسيح -عليه السلام- أن يسجد له!! وقوله له بعد أن أراه من فوق جبل عال جداً جميع ممالك العالم، وعظمتها: "أعطيك هذه كلها إذا جثوت، وسجدت لي"! وقول عيسى عليه السلام رداً عليه: (اذهب يا شيطان، وقد كتب: للرب إلهك تسجد، وإياه وحده تعبد) فيه من الأدلة على فساد معتقد النصارى في ألوهية المسيح وربوبيته الشيء الكثير فمن ذلك:-
¥