فإن كانت باطلاً أو مشكوكاً فيها وجب طرحها وعدم الالتفات إليها, وهذا انسلاخ من الإسلام بالكلية. وإن كانت حقاً فيجب الشهادة على القطع بأنها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وكان الشاهد بذلك شاهداً بالحق وهو يعلم صحة المشهود به. [ذكره ابن القيم في الصواعق المرسلة]
9 - قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله .. ) النساء 135. فأوجب –جل في علاه- الشهادة لله, والقيام بالقسط .. , والأمر للوجوب, ولا يوجب ذلك إلا وقد ألزم قبول شهادة الشاهد. ومن أخبر عن النبي (ص) بما سمعه منه فقد قام بالقسم المأمور به, وشهد لله, فليزم على السامع قبول الخبر, وإلا كان وجوب الشهادة كعدمها, وهذا باطل ممتنع. [ذكره القاضي برهون في خبر الواحد في التشريع الإسلامي وحجيته 2: 66]
10 - قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُم) ووجه الاستدلال أن هذا أمر لكل مؤمن بلغته دعوة الرسول- صلى الله عليه وسلم- إلى يوم القيامة. ودعوته نوعان .. نوع: مواجهة, ونوع: بواسطة مبلغ. وهو مأمور بإجابة الدعوتين في الحالتين, وقد علم أن حياته في تلك الدعوة والاستجابة لها، ومن الممتنع أن يأمره الله تعالى بالإجابة لما لا يفيد علماً أو يحييه بما لا يفيد علماً أو يتوعده على ترك الاستجابة لما لا يفيد علماً بأنه إن لم يفعل عاقبه وحال بينه وبين قلبه.
11 - قوله تعالى: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم). وهذا يعم كل مخالف بلغه أمره (ص) إلى يوم القيامة. ولو كان ما بلغه لم يفده علماً لما كان متعرضاً بمخالفة ما لا يفيد علماً للفتنة والعذاب الأليم, فإن هذا إنما يكون بعد قيام الحجة القاطعة التي لا يبقى معها لمخالف أمره عذرا. وكلمة (أمره) تشمل -بعمومها وإطلاقها- العقائد والأحكام, والمتواتر والآحاد, والعبادات والحدود والمعاملات ... , فتأمل منصفا.
12 - قول الله تعالى: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) النساء59.
فإذا رجعوا إلى سنة الرسول (ص) بعد وفاته - والآية مطلقة وعامة, تشمل حياته ووفاته (ص) , وتشمل العقيدة والأحكام, وتشمل المتواتر والآحاد الذي وصل إلينا عنه (ص) – فماذا تفيدهم؟ فإن قالوا: ظنا, فهل يأمر الله المتنازعين أن يردوا المتنازع فيه إلى ما يفيدهم ظنا, فيستمر النزاع؟!! لولا أن المردود إليه يفيد العلم القطعي والعمل, وينهي النزاع, لم يكن في الرد إليه أي فائدة, وهذا هو عين الباطل .. فثبت المراد والحمد لله, فتأمل منصفا.
13 - قوله تعالى: (وما آتاكم الرسول فخذوه .. ) الحشر7. إن لفظة (ما) من ألفاظ العموم والشمول, وأنت أخي القارئ لو سألت المخالفين لنا عن دليلهم في وجوب الأخذ بخبر الواحد في الأحكام, لاحتجوا بهذه الآية. فلا أدري, ما الذي حملهم على استثناء العقيدة من وجوب الأخذ بها, وهي داخلة في عموم الآية دخولا يقينيا, يعرف ذلك كل من شم رائحة الفقه واللغة .. , فكلامهم تخصيص بلا مخصص, وذلك كله باطل عاطل.
14 - قوله تعالى: (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتان, أؤلئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون) البقرة 159.
فلقد توعد الله على كتمان البينات والهدى, فدل ذلك على وجوب إظهار الهدى - ولا شك أن أقوال النبي (ص) وأفعاله من البينات والهدى " وما ينطق عن الهوى, إن هو إلا وحي يوحى" – وما يسمعه الواحد من النبي (ص) يجب عليه إذا إظهاره. فلو لم يجب على من بلغه قبوله, لكان الإظهار كعدمه, فلا يجب. وهذا باطل بنص الآية, فلزم المراد والحمد لله.
وقد يعترض معترض فيقول: لا يسلم لك هذا الدليل؛ لأن الآية خاصة باليهود والنصارى بدليل سبب نزولها الصحيح الثابت.
أقول:
أ- إن العبرة بعموم اللفظ, لا بخصوص السبب كما هو معلوم للمبتدئ.
ب- اللعن لا يشمل اليهود والنصارى لمجرد أنهم يهود ونصارى, بل لأنهم كتموا البينات والهدى, فاستحقوا لعن الله ولعن اللاعنين. فعلة اللعن هي الكتمان, وهذا يشمل كل من كتم آية أو حديثا أو علما.
¥