6 - يعتبر المخالفون أن خبر الواحد مسألة من المسائل الشرعية التي يبحث فيها .. , أقول لهم: منذ متى وهي "مسألة" يشتغل بها أصلاً؟ هل اعتبرها أهل الحديث المتقدمون "مسألة"؟ أم أنها كذلك عند المتكلمين ومن حذا حذوهم. ونحن لم نعتبرها مسألة إلا للرد على زيغهم وضلالهم فحسب .. , فتأمل.
7 - أن هؤلاء المنكرين لإفادة أخبار النبي - صلى الله عليه وسلم- العلم يشهدون شهادة جازمة قاطعة على أئمتهم بمذاهبهم وأقوالهم أنهم قالوا ولو قيل لهم أنها لم تصح عنهم لأنكروا ذلك غاية الإنكار وتعجبوا من جهل قائله ومعلوم أن تلك المذاهب لم يروها عنهم إلا الواحد والاثنان والثلاثة ونحوهم لم يروها عنهم عدد التواتر وهذا معلوم يقيناً فكيف حصل لهم العلم الضروري والمقارب للضروري بأن أئمتهم ومن قلدوهم دينهم أفتوا بكذا وذهبوا إلى كذا ولم يحصل لهم العلم بما أخبر به أبوبكر الصديق وعمر بن الخطاب وسائر الصحابة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ولا بما رواه عنهم التابعون وشاع في الأمة وذاع وتعددت طرقه وتنوعت وكان حرصه عليه أعظم بكثير من حرص أولئك على أقوال متبوعيهم إن هذا لهو العجب العجاب وهذا وإن لم يكن نفسه دليلاً يلزمهم أحد أمرين: إما أن يقولوا أخبار رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وفتاواه وأقضيته تفيد العلم. وإما أن يقولوا أنهم لا علم لهم بصحة شيء مما نقل عن أئمتهم وأن النقول عنهم لا تفيد علماً. وإما أن يكون ذلك مفيد للعلم بصحته عن أئمتهم دون المنقول عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فهو من أبين الباطل.
8 - قولهم إن خبر الواحد لا يوجب العلم, يلزم منه الآتي: إن النبي صلى الله عليه وسلم أدَّى هذا الدين إلى الواحد فالواحد من أصحابه –وهذا لا يجادل فيه كافر- ليؤدوه إلى الأمة، ونقلوا عنه، فإذا لم يقبل قول الراوي لأنه واحد رجع هذا العيب إلى المؤدي –أي النبي (ص) - نعوذ بالله من هذا القول الشنيع والاعتقاد القبيح.
9 - إذا قلنا: أن خبر الواحد لا يجوز أن يوجب العلم, حملنا أمر الأمة في نقل الأخبار على الخطأ، وجعلناهم لاغين مشتغلين بما لا يفيد أحداً شيئاً، ولا ينفع، ويصير كأنهم قد دونوا في أمور مالا يجوز الرجوع إليه والاعتماد عليه. وهذا هو رأس الباطل بعينه.
10 - قولكم المذكور يستلزم تفاوت المسلمين فيما يجب عليهم اعتقاده, مع بلوغ الخبر إليهم جميعا. وهذا باطل. وبيان ذلك-كما يقول العلامة الألباني- أن الصحابي الذي سمع من النبي صلى الله عليه وسلم حديثا ما في العقيدة, هذا الصحابي يجب عليه اعتقاد ذلك؛ لأن الخبر بالنسبة إليه يقين, وأما الذي تلقى الحديث عنه من صحابي آخر أو تابعي لا يجب عليه اعتقاد ذلك؛ لأنها إنما جاءته من طريق الآحاد, وهو الصحابي الذي سمع الحديث منه (ص) , فإنه يحتمل عليه الخطأ .. !!
وهذا الذي يدعونه هو من أبطل الباطل كما أوضحناه في الأدلة العقلية السابقة, فإن المخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم لو قدر أنه كذب عمدا أو أخطأ, ولم يظهر هذا الخطأ, لزم من ذلك إضلال الخلق, وضياع الدين, وهذا هو عين الباطل.
11 - قول المخالف الذي يدعيه يستلزم –كما يقول العلامة الأاباني- تعطيل العمل بحديث الآحاد في الأحكام العملية أيضا. وهذا باطل لا يقولون به أصلا.
وبيانه أن كثيرا من الأحاديث العملية تتضمن أمورا اعتقادية, فهذا صلى الله عليه وسلم يقول فيما يرويه الشيخان, وهو مما تلقته الأمة بالقبول: (إذا جلس أحدكم في التشهد الأخير فليستعذ بالله من أربع، يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن شر فتنة المسيح الدجال).
هذا الحديث آحاد, يؤخذ به عندهم في الأحكام، لا يؤخذ به في العقيدة.
لكن هذا الحديث يتضمن أمرين:
أ- يتضمن حكما: فليستعذ بالله من أربع
ب- ويتضمن عقيدة: عذاب القبر, وفتنة الممات (وهذا غيب) والمسيح الدجال في آخر الزمان وفتنته.
فكيف يستطيع المخالف أن يستعيذ بشيء لا يؤمن به؟؟!! لا يستطيع. إذاً هو في حيص بيص. إن أخذ بالحديث؛ لأنه فيه حكم شرعي, فهذا واجب باتفاقهم. لكنه لم يأخذ ما به من عقيدة, وهو الإيمان بعذاب القبر، وبالمسيح الدجال في آخر الزمان وبشر فتنته.
إذاً, في أثناء تطبيقه لهذا الحكم هو مخالف لعقيدته, وهذا هو الباطل بعينه مجسدا مجسما. اهـ
¥