تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فإن قالوا: نعمل بهذا الحديث, ولكنا لا نعتقد ما فيه من إثبات عذاب القبر والمسيح الدجال. قلنا-كما يقول الألباني بتصرف وإضافات-: إن العمل به يستلزم الاعتقاد به, لوجوب العلم قبل العمل-كما بينت أنا في أول هذا البحث-, وإلا فليس عملا مشروعا ولا عبادة. فإن العقيدة يقترن معها عمل, والعمل يقترن معه عقيدة .. إليك هذا ليتضح المراد, ويسفر الحق عن وجهه:

يقول الإمام ابن القيم في الصواعق (2: 420و 421) بتصرف وإضافات يسيرة: " ليس العمل مقصورا على أعمال الجوارح فحسب, بل أعمال القلوب أصل لأعمال الجوارح, وأعمال الجوارح تبع, فكل مسألة من العلميات يتبعها إيمان القلب وتصديقه وحبه, وذلك عمل, بل هو أصل العمل. فإن كثيرا من الكفار جازمون بصدق النبي (ص) غير شاكين في ذلك, غير أنه لم يقترن بذلك الجزم عمل القلب من حب ما جاء به النبي (ص) , والرضا به, والموالاة والمعاداة عليه. هذه هي حقيقة الإيمان, فالمسائل العلمية عملية, والمسائل العملية علمية ". اهـ.

يقول الألباني-بتصرف وإضافات يسيرة-: مما يوضح أن لابد من اقتران العقيدة بالعمليات والأحكام هذا المثال: لو افترض أن رجلا يغتسل أو يتوضأ للنظافة, أو يصلي تريضا, أو يصوم تطببا, أو يحج سياحة, لا يفعل ذلك معتقدا أن الله أوجبه عليه وتعبده به, لما أفاده ذلك شيئا, كما لا يفيده معرفة القلب إذا لم يقترن بعمل القلب .. ألا وهو التصديق. وكل مسألة علمية إنما يتبعها عمل .. ألا وهو إيمان القلب وتصديقه لتلك المسألة. اهـ. فتأمل منصفا أخي القارئ, يتضح لك الحق جليا كالشمس في كبد السماء.

أدلة القران:

1 - قول الله جل في علاه: (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً) (البقرة:143). فوصفهم بأنهم وسط أي عدول خيار، وبأنهم يشهدون على الناس، أي بأن الله أمرهم بكذا، وفرض كذا، ويشهدون بكونها من دينه، وقد قرأوا قوله تعالى: (إلا من شهد بالحق وهم يعلمون) (الزخرف:86). فشهادتهم بهذه الأخبار عن نبيهم توجب ليقين بما قالوه؛ بسبب حفظ الله لهذا الدين, ولعدالة الرواة وقوة حفظهم.

فالمخبر بخبر عن رسول الله (ص) شاهد على الناس بأنه (ص) قد قال كذا وكذا, ولا يجوز أن يجعله الله شاهدا على الناس إلا ويتعبد بالرجوع إلى خبره, وإلا كانت الشهادة على الناس كعدمها, وهذا باطل .. فتأمل.

2 - وقوله تعالى (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) الأحزاب 36. إن لفظة (أمرا) تشمل -بعمومها وإطلاقها- العقائد والأحكام, والمتواتر والآحاد ... , فمن أين جاء المخالف بتفريقه المبتدَع.

3 - وقوله (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُون) التوبة 122. والطائفة في اللغة تقع على الواحد فما فوقه ... [البخاري في صحيحه 9: 155 فقد استدل بهذه الآية بما يدل عنده على ما ذكرت أنا, الإمام ابن العربي المالكي في المحصول من علم الأصول2: 173 وأحكام القران 2: 1031, والقرطبي في تفسيره 8: 294, والشعراوي في تفسيره 5576, وأبو الحسين البصري في " المعتمد في الأصول" 2: 588, ود. وهبة الزحيلي في أصول الفقه الإسلامي 1: 469 ... إلخ, وانظر معاجم وقواميس اللغة]. والإنذار: الإعلام والإخبار بما يفيد العلم, فـ (أنذر): أعلم بالشيء وخوّف منه ... [انظر المعجم الوسيط:2: 949, ومعجم ألفاظ القران الكريم 2: 1085]

لقد حض الله المؤمنين على أن ينفر منهم إلى النبي (ص) طائفة ليتعلموا ويفهموا الدين (وكلمة الدين عامة, فهي تشمل العقائد والأحكام, والمعاملات والحدود. ولا شك أن أهم وأول ما يتعلمه طالب العلم هو العقائد؛ لأنها أساس الأمر كله في جميع الرسالات والديانات). ثم حضهم الله على إنذار إعلام وإخبار قومهم بكل ما تعلموه إذا رجعوا إليهم.

فلولا أن الحجة تقوم بحديث الآحاد الصحيح عقيدة وأحكاما لما حض الله الطائفة على التبليغ والإنذار حضا عاما, فكيف يحض-جل وعلا- على شيء لا قيمة له, ولا فائدة ترجى منه .. , تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. ولقد علل الله الحض على التبليغ بقوله

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير