فظهر بالدليل الصريح أن العقوبتين عقوبة واحدة و أنّ موردهما واحد. و إذا كان الأمر كذلك، وجب حمل مطلق الإسبال على قيد المخيلة، كما تقتضي قواعد علم الأصول. قال الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله البسام رحمه الله: " (إن القاعدة الأصولية هي حمل المطلق على المقيد وهي قاعدة مطردة في عموم نصوص الشريعة. والشارع الحكيم لم يقيد تحريم الإسبال – بالخيلاء – إلا لحكمة أرادها ولولا هذا لم يقيده. والأصل في اللباس الإباحة، فلا يحرم منها إلا ما حرمه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. والشارع قصد من تحريم هذه اللبسة الخاصة قصد الخيلاء من الإسبال وإلا لبقيت اللبسة المذكورة على أصل الإباحة. وإذا نظرنا إلى عموم اللباس وهيئاته وأشكاله لم نجد منه شيئاً محرماً إلا وتحريمه له سبب وإلا فما معنى التحريم وما الغرض منه، لذا فإن مفهوم الأحاديث أن من أسبل ولم يقصد بذلك الكبر والخيلاء، فإنه غير داخل في الوعيد ".اهـ من (توضيح الأحكام من بلوغ المرام 6/ 246)
قلت: هذا هو الصواب الذي لا يسع أحدًا الحيد عنه، و هو الذي تلتئم به كل الأدلة و يتوافق و شرائع الإسلام. و هو مذهب أئمة الإسلام قديمًا و حديثًا؛
فقد جاء في (كشاف القناع للبهوتي 1/ 277):
قال أحمد في رواية حنبل:" جر الإزار وإسبال الرداء في الصلاة إذا لم يرد الخيلاء فلا بأس"
و في (المجموع) شرح (المهذب) للنووي رحمه الله:
" يحرم اطالة الثوب والإزار والسراويل على الكعبين للخيلاء، ويكره لغير الخيلاء، نص عليه الشافعي في (البويطي) وصرح به الأصحاب."
و جاء في (الآداب الشرعية) لابن مفلح الحنبلي، في فصل (في مقدار طول الثوب للرجل والمرأة وجر الذيول)؛ قال صاحب ’المحيط ‘ من الحنفية:" وروي أن أبا حنيفة رحمه الله ارتدى برداء ثمين قيمته أربعمائة دينار، وكان يجره على الأرض فقيل له: أولسنا نهينا عن هذا؟ فقال: إنما ذلك لذوي الخيلاء ولسنا منهم ".
واختار الشيخ تقي الدين رحمه الله عدم تحريمه ولم يتعرض لكراهة ولا عدمها. وقال أبو بكر عبد العزيز: يستحب أن يكون طول قميص الرجل إلى الكعبين وإلى شراك النعل وهو الذي في المستوعب , قال أبو بكر: وطول الإزار إلى مد الساقين , قال وقيل إلى الكعبين. اهـ
و قال ابن عبد البر رحمه الله في (التمهيد3/ 244):
الخيلاء: التكبر، وهي الخيلاء، والمخيلة. يقال منه: رجل خال ومختال شديد الخيلاء، وكل ذلك من البطر والكبر والله لا يحب المتكبرين، ولا يحب كل مختال فخور.
وهذا الحديث يدل على أن من جرّ إزاره من غير خيلاء ولا بطر، أنه لا يلحقه الوعيد المذكور. غير أن جرّ الإزار والقميص وسائر الثياب مذموم على كل حال. وأما المستكبر الذي يجر ثوبه فهو الذي ورد فيه ذلك الوعيد الشديد.
وجاء في (شرح صحيح مسلم للنووي رحمه الله 2/ 116):
"وأما قوله صلى الله عليه وسلم:" المسبل إزاره " فمعناه المرخى له الجار طرفه خيلاء كما جاء مفسرا فى الحديث الآخر" لا ينظر الله الى من يجر ثوبه خيلاء "، والخيلاء الكبر وهذا التقييد بالجر خيلاء يخصص عموم المسبل ازاره ويدل على أن المراد بالوعيد من جره خيلاء. وقد رخص النبىّ صلى الله عليه وسلم فى ذلك لأبي بكر الصديق رضى الله عنه وقال:" لست منهم "، إذ كان جره لغير الخيلاء "
ـ[أبو صلاح الدين]ــــــــ[23 Jul 2005, 08:21 م]ـ
و قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (22\ 138):
والفعل الواحد فى الظاهر يثاب الإنسان على فعله مع النية الصالحة ويعاقب على فعله مع النية الفاسدة. وضرب عدة أمثلة ثم قال: وكذلك اللباس فمن ترك جميل الثياب بخلا بالمال لم يكن له أجر، ومن تركه متعبدا بتحريم المباحات كان آثما، ومن لبس جميل الثياب إظهارا لنعمة الله وإستعانة على طاعة الله كان مأجورا، ومن لبسه فخرا وخيلاء كان آثما، فإن الله لا يحب كل مختال فخور. ولهذا حرم إطالة الثوب بهذه النية كما فى الصحيحين عن النبى صلى الله عليه وسلم قال:" من جر إزاره خيلاء لم ينظر الله يوم القيامة إليه " فقال أبوبكر: يا رسول الله إن طرف إزارى يسترخى إلا أن أتعاهد ذلك منه؟ فقال:" يا أبا بكر إنك لست ممن يفعله خيلاء ". وفى الصحيحين عن النبى أنه قال:" بينما رجل يجر إزاره خيلاء إذ خسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى
¥