تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

و أمّا قول الشيخ رحمه الله:" ولكن الشيطان يفتح لبعض الناس المتشابه من نصوص الكتاب والسنة ليبرر لهم ماكانوا يعملون "، فوددت أني لم أقرأه، لأن هؤلاء البعض في الحقيقة هم عامة علماء المسلمين و أئمّتهم من السلف و الخلف. كلهم يستدل بحديث أبي بكر على أن التحريم مقيد بما ذُكر فيه.

وهناك من العلماء من قال:- إن إطالة الثوب في حد ذاتها خيلاء، فتكون محرمة، وأنه لا يتصور من أحد أن يطيل ثوبه لغير الخيلاء، وأن من ادعى أنه يطيله للعادة، وليس للخيلاء فهو كاذب في دعواه، قال ذلك ابن العربي في (عارضة الأحوذي)، قال: لا يجوز للرجل أن يجاوز بثوبه كعبه، ويقول: لا أجرُّه خيلاء! لأن النهي قد تناوله لفظاً، ولا يجوز لمن تناوله اللفظ حكماً أن يقول: لا أمتثله لأن تلك العلة ليست فيّ، فإنها دعوى غير مسلمة، بل إطالته ذيله دالة على تكبره. اهـ

وقد نقل ابن حجر رحمه الله هذا الكلام، وعلق عليه - كالمؤيد له – بقوله: وحاصله أن الإسبال يستلزم جر الثوب، وجر الثوب يستلزم الخيلاء، ولو لم يقصد اللابس الخيلاء، ويؤيده ما أخرجه أحمد بن منيع من وجه آخر عن ابن عمر في أثناء حديث رفعه: "وإياك وجر الإزار فإن جر الإزار من المخيلة "، وأخرج الطبراني من حديث أبي أمامة: " بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ لحقنا عمرو بن زرارة الأنصاري في حلة إزار ورداء قد أسبل، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ بناحية ثوبه ويتواضع لله، ويقول: " عبدك وابن عبدك وأمتك " حتى سمعها عمرو فقال: يا رسول الله إني حمش الساقين فقال: " يا عمرو إن الله قد أحسن كل شيء خلقه، يا عمرو إن الله لا يحب المسبل ... الحديث " وأخرجه أحمد من حديث عمرو نفسه، لكن قال في روايته: "عن عمرو بن فلان وأخرجه الطبراني أيضاً فقال: عن عمرو بن زرارة وفيه:" ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربعة أصابع تحت الأربع، فقال: يا عمرو هذا موضع الإزار ... الحديث". ورجاله ثقات، وظاهره أن عمراً المذكورلم يقصد بإسباله الخيلاء، وقد منعه من ذلك لكونه مظنته. وأخرج الطبراني من حديث الشريد الثقفي قال: أبصر النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً قد أسبل إزاره فقال: "ارفع إزارك" فقال إني أحنف تصطك ركبتاي، قال: "ارفع إزارك فكل خلق الله حسن". وأخرجه مسدد وأبو بكر بن أبي شيبة من طرق عن رجل من ثقيف لم يسم وفي آخره:"وذاك أقبح مما بساقيك" انتهى كلام الحافظ رحمه الله.

و قد تعقبه الشوكاني رحمه الله فقال في (نيل الأوطار 2/ 113): وقد عرفت ما في حديث الباب من قوله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: إنك لست ممن يفعل ذلك خيلاء وهو تصريح بأن مناط التحريم الخيلاء، وأن الإسبال قد يكون للخيلاء، وقد يكون لغيره، فلابد من حمل قوله:" فإنها من المخيلة " في حديث جابر بن سليم، على أنه خرج مخرج الغالب، فيكون الوعيد المذكور في حديث الباب متوجهاً إلى من فعل ذلك اختيالاً، والقول: بأن كل إسبال من المخيلة أخذاً بظاهر حديث جابر ترده الضرورة، فإن كل أحد يعلم أن من الناس من يسبل إزاره مع عدم خطور الخيلاء بباله. ثم قال: وبهذا يحصل الجمع بين الأحاديث وعدم إهدار قيد الخيلاء المصرح به في الصحيحين. ثم قال: وحمل المطلق على المقيد واجب، وأما كون الظاهر من عمرو أنه لم يقصد الخيلاء فما بمثل هذا الظاهر تعارض الأحاديث الصحيحة.اهـ

قلت: و ممن تبنىّ هذا القول من العلماء المعاصرين، الشيخ ابن باز رحمه الله حيث قال معلقًا على حديث جابر بن سليم الذي فيه:" و إياك و الإسبال فإنه من المخيلة ". قال:" فجعل الإسبال كله من المخيلة؛ لأنه في الغالب لا يكون إلا كذلك، ومن لم يُسبل للخيلاء فعمله وسيلة لذلك، والوسائل لها حكم الغايات "

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير