تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

و من العلماء من قال: أن الوصف بالخيلاء خرج مخرج الغالب، والقيد إذا خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له عند عامة الأصوليين - كما قال الشيخ بكر أبو زيد - كما في قوله: (و ربائبكم اللاتي في حجوركم)، فبنت المرأة محرمة على زوجها، ربيبة كانت عنده أم لا، ونحو قوله: (ولا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة)، فالربا قليلُه وكثيرُه حرام.

و الجواب: أن إلحاق هذه المسألة بما ذكر لا يستقيم لوجود الفارق؛ ذلك لأن دليل القيد بالخيلاء ليس بالمفهوم و إنما هو بالمنطوق و هو قوله صلى الله عليه و سلم لأبي بكر رضي الله عنه: " إنك لست ممن يفعله خيلاء ".

و يقطع كلَّ تأويل حديثُ ابن عمر رضي الله عنهما الذي فيه:" من جر إزاره لا يريد بذلك إلا المخيلة فإن الله لا ينظر إليه يوم القيامة " رواه مسلم (2085) و أبو عوانة (8585) و غيرهما.

و هو نص صريح في أن الإسبال لا يحرم إلا إذا قُصد به الإختيال، و فيه أيضًا رد على من يزعم أن الإختيال يحصل بمجرد الإسبال و لو لم يخطر ببال المسبل.

و من الأدلة التي تعلق بها القائلون بحرمة الإسبال مطلقًا، حديث ابن عمر رضي الله عنهما من رواية نافع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة فقالت أم سلمة: فكيف يصنعن النساء بذيولهن؟ قال: يرخين شبرًا. فقالت: إذا تنكشف أقدامهن؟ قال: فيرخينه ذراعا لا يزدن عليه." رواه النسائي (5336) و الترمذي (1731) و قال: حسن صحيح.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في (الفتح 10/ 259): ويستفاد من هذا الفهم التعقب على من قال أن الأحاديث المطلقة في الزجر عن الإسبال مقيدة بالأحاديث الأخرى المصرحة بمن فعله خيلاء ... ووجه التعقب أنه لو كان كذلك لما كان في استفسار أم سلمة عن حكم النساء في جر ذيولهن معنى، بل فهمت الزجر عن الإسبال مطلقا سواء كان عن مخيلة أم لا، فسألت عن حكم النساء في ذلك لاحتياجهن إلى الإسبال، من أجل ستر العورة، لأن جميع قدمها عورة. فبين لها أن حكمهن في ذلك خارج عن حكم الرجال في هذا المعنى فقط. وقد نقل عياض الإجماع على أن المنع في حق الرجال دون النساء ومراده منع الإسبال لتقريره صلى الله عليه وسلم أم سلمة على فهمها زاهـ

و قد اغتر بهذا الكلام صاحب (القول المبين في أخطاء المصلين) فقال (ص31): و يستفاد من كلمة "رخص" و من سؤال أم سلمة السابق " فكيف يصنع النساء بذيولهن " بعد سماعها وعيد جر الثوب، التعقب على من قال:-إن الأحاديث المطلقة في الزجر عن الإسبال مقيدة بالأحاديث الأخرى المصرحة بمن فعله خيلاء. و وجه التعقب: أنه لو كان كذلك لما كان في استفسار أم سلمة عن حكم النساء في جر ذيولهن معنى، بل فهمت الزجر عن الإسبال مطلقا، سواء كان عن مخيلة أم لا ... اهـ

و هذا لعمري أمر عجيب، و أعجب منه صدوره عن الحافظ رحمه الله، فهل يعقل أن يعترض بمثل هذا و صدرُ الحديث نصّ في تقييد الإسبال بالخيلاء؟ كيف استُسيغ مثل هذا التعقب، و مناسبة سؤال أم سلمة إنما هو قوله صلى الله عليه و سلم: " من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة "، يقول "خيلاء"، و الحديث واحد فكيف يعارض أوله بآخره؟؟؟ و من أين لهذا المتعقب أنّ أم سلمة رضي الله عنها فهمت الإطلاق في الزجر عن الإسبال؟ و سياق الحديث يأبى ذلك. و كل ما فيه: أنها سألت عمن وقعت من النساء بين الأمرين؛ أعني بين الإسبال المحرم بقيده و بين وجوب ستر القدمين، فأذن لهن بالإسبال على أيّة حال لتأكد التستر في حقهن. و يبيّن ذلك رواية " رخّص"، أي حتى مع وجود هاجس الخيلاء.

فائدة: قال الباجي رحمه الله في (المنتقى 7/ 226):- و هذا يقتضي أن نساء العرب لم يكن من زيهن خفّ و لا جورب. كنّ يلبسن النعال أو يمشين بغير شيء، و يقتصرن من ستر أرجلهن على إرخاء الذيل.اهـ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير