تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

و من ذلك حديث أبي أمامة رضي الله عنه قال: " بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ لحقنا عمرو بن زرارة الأنصاري في حلة إزار ورداء قد أسبل، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ بناحية ثوبه ويتواضع لله، ويقول: " عبدك وابن عبدك وأمتك " حتى سمعها عمرو فقال: يا رسول الله إني حمش الساقين فقال: " يا عمرو إن الله قد أحسن كل شيء خلقه، يا عمرو إن الله لا يحب المسبل ... الحديث " و قد سبق ذكره.

و الظاهر أن عمرو فعل ذلك اختيالاً، كما يشير إليه قول أبي أمامة:" فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ بناحية ثوبه ويتواضع لله ". و لذلك فإن النبي صلى الله عليه و سلم لم يقبل اعتذاره. مع أنه قد ثبت عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فعل ذلك للسبب ذاته.

فقد أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه (24816) بسند جيد عن ابن مسعود رضي الله عنه " أنه كان يسبل إزاره فقيل له في ذلك فقال: إني رجل حمش الساقين ". لكن قال الحافظ في الفتح (10/ 264): (هو محمول على أنه أسبله زيادة على المستحب، وهو أن يكون إلى نصف الساق، ولا يظن به أنه جاوز به الكعبين! والتعليل يرشد إليه، ومع ذلك فلعله لم تبلغه قصة عمرو بن زرارة.) اهـ

قلت: قد مر من كلام العلماء أن الإسبال عند الإطلاق يراد به الإرخاء إلى ما دون الكعبين، و الأصل إبقاء الخبر على ظاهره، هذا من جهة. و من جهة أخرى، فإنه حتى لو لم تبلغه قصة عمرو بن زرارة، فهل يعقل أن يأمر النبي صلى الله عليه و سلم واحدًا من عامة الناس و لا يأمر صاحب وسادته و نعله، و من هو معه صباح مساء، يلازمه و يخدمه حتى أن الغريب ليحسب أنه من أهل البيت؟

و لعل الحافظ ابن عبد البر رحمه الله قد تنبّه لذلك فقال في (التمهيد 20/ 229): " لعله أذن له كما أذن لعرفجة أن يتخذ أنفا من ذهب فيتجمل به."

قلت: و هذا كذلك مجرد تأويل لا دليل عليه، و الصواب أن يحمل فعل عبد الله بن مسعود على أنه لم يقصد الخيلاء. فالفارق بين العملين هو القصد و النية، حيث أُذن للأول و منع الآخر على ذلك الإعتبار. و قد قال البهوتي في (كشاف القناع): " (فإن أسبل ثوبه لحاجة كسِتْرِ ساقٍ قبيحٍ من غير خيلاء، أبيح) قال أحمد في رواية حنبل: جر الإزار وإسبال الرداء في الصلاة، إذا لم يرد الخيلاء فلا بأس (ما لم يرد التدليس على النساء) فإنه من الفحش. وفي الخبر: " من غشنا فليس منا ".اهـ قلت: و قوله " ما لم يرد التدليس ... " إنما يعرف ذلك بقرائن الأحوال.

و مما يستفاد مما سبق: اعتبار أحوال الأشخاص في الأحكام باختلافها وهو أصل مطرد غالبًا، كما صرح بذلك العلماء، و قد سبق كلام شيخ الإسلام في ذلك فتذكره.

فائدة: قال الحافظ أبو زرعة العراقي في (طرح التثريب): - يستثنى من جره خيلاء ما إذا كان ذلك حالة القتال فيجوز لما في الحديث الصحيح أنه عليه الصلاة والسلام قال:" إن من الخيلاء ما يحب الله ومن الخيلاء ما يبغض الله فأما الخيلاء التي يحب الله فأن يتبختر الرجل بنفسه عند القتال" الحديث صححه ابن حبان. فالجر خيلاء هنا فيه إعزاز الإسلام وظهوره واحتقار عدوه وغيظه بخلاف ما فيه احتقار المسلمين وغيظهم والاستعلاء عليهم.

قال والدي رحمه الله في (شرح الترمذي): والأظهر أيضا جوازه بلا كراهة دفعا لضرر يحصل له،كأن يكون تحت كعبيه جراح، أو حكة أو نحو ذلك، إن لم يغطها تؤذه الهوام كالذباب ونحوه بالجلوس عليها ولا يجد ما يسترها به إلا رداءه أو إزاره أو قميصه، فقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم للزبير و ابن عوف في لبس قميص الحرير من حكة كانت بهما وأذن صلى الله عليه وسلم لكعب في حلق رأسه , وهو محرم لما أذاه القمل مع تحريم لبس الحرير لغير عارض وتحريم حلق الرأس للمحرم , وهذا كما يجوز كشف العورة للتداوي وغير ذلك من الأسباب المبيحة للترخص.اهـ

و مما تعلق به المانعون من الإسبال مطلقًا، قول الشيخ ابن باز رحمه الله: " و لما في ذلك من التشبه بالنساء، و تعريض الثياب للوسخ و النجاسة، و لما في ذلك أيضًا من الإسراف ".اهـ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير