وقبل أن ندخل في شرح الحديث لنا أن نتوقف قليلا مع أسلوب الحديث وهو الأسلوب المعهود من رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم أسلوب التعليم بالسؤال والجواب وهو أسلوب رائع من أساليب التعاليم فيه تصل المعلومة إلى ذهن السامع بأسلوب دقيق ومسبط بل ولافت للانتباه فعندما تسمع سؤال من شخص ويكون المجيب هو رسول الله فيكون هناك شوق لا ستماع الإجابة
ولكن وقفة اخرى هنا
وهي أن السائل لا يعرفه من الحضور أحد
فهذا أمر آخر للفت الانتباه
أو بمعنى آخر هو تجهيز الآذان لتسمع والعقول لتستوعب
وعند النظر إلى الحديث ومفرادته نجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم وبما آوتي من جوامع الكلم قد جمع لنا أمور الإسلام في كلماته التي لا تخط إلا من ذهب
فعند دخول جبريل عليه السلام إلى المكان الذي به الرسول وأصحابه بثيابه البيضاء وشعره الشديد السواد وجلوسه إلي النبي بصورة لا يجلسها إلا من يعرفه معرفة جيدة
وهي كما وصفها لنا ابن الخطاب رضي الله عنه: فجلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع يديه على فخذيه ثم قال يا محمد أخبرني عن الاسلام
فبدأ رسول الله بشرح مبسط وشامل ورائع لتفاصيل الإسلام فقال له أن الإسلام بنبني على أعمدة خمس
ألا وهي
شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله
وهي كلمة عظيمة بل هي أساس الحياة
فلهذه الكلمة خلق الله الدنيا
وهي كلمة لو دققنا في معانيها لوهبنا عمرنا كاملا لها
ولكن قسوة قلوبنا تحول بين ذلك
كلمة أدركها مشركي قريس وأدركوا مفهومها فاستثقلوها
لقد تركوا الاسلام كبرا وتعنتا
ولكنهم أدركوا معنى لا إله إلا الله
معنى أنه لا معبود بحق إلا الله
ولو أردكنها لارتاحت قلوبنا
لو ادركنها لما عصينا ربنا
لو ادركنها لفهمنا معنى كلمة الاخلاص: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ (4)
لو علمنا انه لا إله ألا الله لما عبدنا أهوائنا ولما اتخذنا آلهه من دون الله
أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ [الجاثية: 23]
لو علمنا انه لا اله بحق الا الله لتفكرنا في كل عمل نعمله هل هو لله أم لا
ولكننا قابلنا الاحسان بالإساءة والحلم بالظلم والنعم بالكفر والامهال بالاهمال
إنها الغفلة والرين الذي علا قلوبنا
نسأل الله لنا ولكم العافية
ولو استطلنا الحديث مع كلمة التوحيد لما انتهينا ولكن لعلنا نفرد لها حديثا منفصلا
وأما عن الشهادة بان محمد هو رسول الله
فكيف لمن يشهد بانه لنا رسول كيف به يترك سيرته ونهجه
كيف به وقد بدّل وغيّر
الا يخاف من قوله صلى الله عليه وسلم
قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إني فرطكم على الحوض، من مر علي شرب، ومن شرب لم يظمأ أبدا، ليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفوني، ثم يحال بيني وبينهم " قال أبو حازم: فسمعني النعمان بن أبي عياش، فقال: هكذا سمعت من سهل؟ فقلت: نعم، فقال: أشهد على أبي سعيد الخدري، لسمعته وهو يزيد فيها: " فأقول إنهم مني، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: سحقا سحقا لمن غير بعدي " وقال ابن عباس: سحقا: بعدا يقال: سحيق: بعيد، سحقه وأسحقه أبعده وقال أحمد بن شبيب بن سعيد الحبطي، حدثنا أبي، عن يونس، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة: أنه كان يحدث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يرد علي يوم القيامة رهط من أصحابي، فيحلئون عن الحوض، فأقول: يا رب أصحابي، فيقول: إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك، إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى
فلماذا لا نتبع الرسول كما امرنا الله
بل لقد جعل الله علامة حبه اتباع النبي صلى الله عليه وسلم
يقول الله تعالى: قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [آل عمران: 31]
فدلالة حبنا لله هي اتباع اوامر رسولنا والاقتداء به في سيرته وسيررته وفي اعماله كلها
ومن ذلك ايضا علمنا الأكيد بان كل أمر يأمره به نبينا فهو لمصلحتنا وعلينا إتباعه
¥