وقال ابن القيم في مدارج السالكين (3/ 179): ((وقد سئل بعض الأئمة عن السنَّة؟ قال: ما لا اسم له سوى السنَّة. يعني أنَّ أهل السنَّة ليس لهم اسم يُنسبون إليه سواها))
وفي كتاب الانتقاء لابن عبد البر (ص:35) أنَّ رجلاً سأل مالكاً فقال: مَن أهل السنَّة؟ قال: ((أهل السنَّة الذين ليس لهم لقبٌ يُعرفون به، لا جهمي ولا قدَري ولا رافضي))
ولا شكَّ أنَّ الواجبِ على أهل السنَّة في كل ِّ زمان ومكان التآلف والتراحم فيما بينهم، والتعاون على البرِّ والتقوى.
وإنَّ مِمَّا يؤسف له في هذا الزمان ما حصل من بعض أهل السنّة من وحشة واختلاف مِمَّا ترتَّب عليه انشغال بعضهم ببعض تجريحاً وتحذيراً وهجراً، وكان الواجب أن تكون جهودُهم جميعاً موجَّةٌ إلى غيرهم من الكفَّار وأهل البدع المناوئين لأهل السنَّة، وأن يكونوا فيما بينهم متآلفين متراحمين، يذكِّرُ بعضهم بعضاً برفق ولين.
وقد رأيت كتابة كلمات، نصيحةً لهؤلاء جميعاً, سائلاً الله عزَّ وجلَّ أن ينفع بهذه الكلمات، إن أريد إلاَّ الإصلاحَ ما استطعت، وما توفيقي إلاَّ بالله عليه توكلت وإليه أنيب، وقد سمَّيت هذه النصيحة ((رفقاً أهل السنَّة بأهل السنَّة)).
وأسأل الله للجميع التوفيق والسداد، وان يصلح ذات بينهم وأن يؤلَّف بين قلوبهم وان يهديهم سُبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور، إنَّه سميع مجيب.
نعمة النطق والبيان
نعمُ الله على عباده لا تُعدُّ ولا تُحصى، ومن أعظم هذه النِّعم نعمة النطق التي يُبين بها الإنسانُ عن مراده، ويقول القول السديد، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ومَن فَقَدها لم تحصل له هذه الأمور، ولا يُمكنه التفاهم مع غيره إلاَّ بالإشارة أو الكتابة إن كان كاتباً، قال عزَّ وجلَّ: {وَضَرَبَ اللهُ مَثَلًا رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَآ أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَىٍْء وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أيْنَمَا يُوَجِّههُّ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِى هُوَ وَمَنَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ هُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيم} وقد قبل في تفسيره: إنَّه مثل ضربه الله لنفسه وللوثن، وقيل: إنَّه مثل مثل للكافر والمؤمن، وقال القرطبي (9/ 149): ((روي عن ابن عباس وهو حسن، لأنَّه يعمُّ))، وهو واضحٌ في نقصان الرقيق والأبكم الذي لا يُفيد غيرَه ولا يستفيد منه مولاه أينما وجَّهه.
وقال الله عزَّ وجلَّ: {فَوَرَبِّ السَّمآءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مِآ أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ} , فقد أقسم الله بنفسه على تحقق البعث والجزاء على الأعمال، كما أنَّ النطقَ حاصلٌ واقعٌ من المخاطَبين، وفي ذلك تنويه بنعمة النطق.
وقال سبحانه: {خَلَقَ الإِنَسانَ، عَلَّمَهُ الْبَيَانَ}، وفسر الحسن البيانَ بالنطق، وفي ذلك تنويهٌ بنعمة النطق التي يحصل بها إبانة الإنسان عمَّا يريده.
وقال تعالى: {أَلَم نَجْعَل لَّه عَيْنَينِ، وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ} قال ابن كثير في تفسيره: ((قوله تعلى: {أَلَم نَجْعَل لَّه عَيْنَينِ} أي يُبصر بهما, {وَلِسَانًا} أي ينط به فيعبَّر عمَّما في ضميره, {وَشَفَتَيْنِ} يستعين بهما على الكلام وأكل الطعام، وجمالًا لوجهه وفهم)).
ومن المعلوم أنَّ هذه النعمة إنَّما تكون إذا استُعمل بشرِّ فهم وبالٌ على صاحبه، ويكون مَن فقد هذه النعمة أحسن حالًا منه.
حفظ اللسان من الكلام إلاَّ في خير
قال الله عزَّ وجلَّ: {يَأَيُهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَقُولُواْ قَوْلًا سَدِيدًا , يُصِلحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وِمِن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}
وقال عزَّ وجلَّ: {يَأَيُّهَا الُّذِينَ ءِامَنُواْ اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُواْ وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللهَ إنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ}
وقال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنَسانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إَلْيهِ مِنْ حِبْلِ الْوَرِيدِ, إِذْ يَتَلَّى الْمُتَلَقِيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِمَالِ قَعِيدٌ، مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}
¥