الثبت من الروايات، وترك ما صح أنَّه وهم فيها ما لم يفحش ذلك منه حتى يغلب على صوابه، فإنه كان كذلك استحق الترك حينئذ)). الثقات (7/ 97_98).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (728هـ) " ومِمَّا ينبغي أن يُعرف أن الطوائفَ المنتسبة إلى متبوعين في أصول الدَّين والكلام على درجات، منهم مَن يكون قد خالف السنَّة في أصول عظيمة، ومنهم مَن يكون إنَّما خالف السنَّة في أمور دقيقة.
وَمن يكون قد رد على غيره من الطوائف الذين هم ابعدُ عن السنَّة منه، فيكون محموداً فيما ردَّه من الباطل وقاله من الحقِّ، لكن يكون قد جاوز العدل في ردِّه بحيث جحد بعضَ الحقَّ وقال بعضَ الباطل، فيكون قد ردَّ بدعةً كبيرة ببدعة أخفَّ منها، ورد باطلاً بباطل أخفَّ منه، وهذه حالُ أكثر أهل الكلام المنتسبين إلى السنَّة والجماعة.
مثل هؤلاء إذا لَم يَجعلوا ما ابتدعوه قولاً يفارقون به جماعةَ المسلمين يوالون عليه ويعادون كان من نوع الخطأ، والله سبحانه وتعالى يغفر للمؤمنين خطأَهم في مثل ذلك.
ولهذا وقع في مثل هذا كثيرٌ من سلف الأمة وأئمتها لهم مقالات قالوها باجتهاد وهي تخالف ما ثبت في الكتاب والسنَّة، بخلاف مَن والى موافقَه وعادى مخالفَه, وفرَّق بين جماعة المسلمين، وكفَّر وفسَّق مخالفَه دون موافقه في مسائل الآراء والاجتهادات، واستحلَّ قتال مخالفه دون موافقه، فهؤلاء من اهل التفرق والاختلافات". مجموع الفتاوى (3/ 348_349).
وقال (19/ 191_192): ((وكثيرٌ من مجتهدي السلف والخلف قد قالوا وفعلوا ما هو بدعة ولم يعلموا أنَّه بدعة، إما لأحاديث ضعيفة ظنُّوها صحيحة، وإما لآيات فهموا منها ما لَم يُرد منها، وإمَّا لرأي رأوه وفي المسألة نصوص لم تبلغهم، وإذا اتَّقى الرَّجل ربَّه ما استطاع دخل في قوله: {رَبَّنَا لَا تُؤَخِذْنَآ إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا}، وفي الصحيح أنَّ الله قال: (قد فعلتُ) ..
وقال الإمام الذهبي (748هـ): ((ثم إن الكبير من أئمَّة العلم إذا كثر صوابُه، و عُلم تحرِّيه للحقِّ، واتَّسع علمه, وظهر ذكاؤه، وعُرف صلاحُه وورعه واتَّباعه، يُغفر له زَلله، ولا نضلِّله ونطرحه، وننسى محاسنه، نعم! ولا نقتدي به في بدعته وخطئه، ونرجو له التوبة من ذلك)). سير أعلام النبلاء (51/ 271).
وقال أيضًا: ((ولو أنَّا كلَّما أخطأ إمامٌ في اجتهاده في آحاد المسائل خطأً مغفوراً له قُمنا عليه وبدَّعناه وهجَرناه، لَمَا سلم معنا لا ابن نصر ولا ابن منده ولا مَن هو أكبر منهما، والله هو هادي الخلق إلى الحقِّ وهو أرحم الراحمين، فنعوذ بالله من الهوى والفظاظة)). السير (14/ 39_40).
وقال أيضاً: ((ولو أنَّ كلَّ من أخطأ في اجتهاده _ مع صحَّة إيمانه وتوخَّه لاتباع الحقِّ – أهدرناه وبدَّعناه، لقلَّ مَن يسلم من الأئمَّة معنا، رحم الله الجميعَ بمنِّه وكرمه)). السير (14/ 376).
وقال أيضاً: ((ونحبُّ السنَّة وأهلها، ونحبُّ العالم على ما فيه من الاتِّباع والصفات الحميدة، ولا نحبُّ ما ابتدع فيه بتأويل سائغ, وإنَّما العبرة بكثرة المحاسن)). السير (20/ 46).
وقال ابن القيم (751هـ): ((معرفة فضل أئمة الإسلام ومقاديرهم وحقوقهم ومراتبهم وأنَّ فضلَهم وعلمَهم ونصحهم لله ورسوله لا يوجب قبول كلِّ ما قلوه, وما وقع في فتاويهم من المسائل التي خفي عليهم فيها ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فقالوا بمبلغ علمهم والحقُّ في خلافها، لا يوجب اطَّراح أقوالهم جملة، وتنقصهم والوقيعة فيهم، فهذان طرفان جائران عن القصد، وقصد السبيل بينهما، فلا نؤثم ولا نعصم)) إلى أنَّ قال: ((ومن له علم بالشرع والواقع يعلم قطعاً أنَّ الرَّجل الجليل الذي له في الإسلام قدَم صالح وآثار حسنة، وهو من الإسلام وأهله بمكان قد تكون منه الهفوة والزَّلة هو فيها معذور، بل ومأجور لاجتهاده، فلا يجوز أن يُتبع فيها، ولا يجوز أن تُهدر مكانته وإمامته ومنزلته من قلوب المسلمين)). إعلام الموقعين (3/ 295).
وقال ابن رجب الحنبلي (795هـ): ((ويأبى الله العصمة لكتاب غير كتابه، والمنصف من اغتفر قليل خطأ المرء في كثير صوابه)). القواعد (ص:3).
فتنة التجريح والهجر من بعض أهل السنَّة
في هذا العصر, وطريق السلامة منها
¥