موقف أهل السنَّة من العالم إذا أخطأ أنَّه يُعذر فلا يُبدَّع ولا يُهجَر
ليست العصمةُ لأحد بعد رسول الله، فلا يسلم عالِمٌ من خطأ ومن أخطأ لا يُتابَع على خطئه، ولا يُتخذ ذلك الخطأ ذريعة إلى عيبه والتحذير منه، بل يُغتفر خطؤه القليل في صوابه الكثير، ومن كان من هؤلاء العلماء قد مضى فُيستفادُ من علمه مع الحذر من متابعته على الخطأ، ويُدعى له ويُترحَّم عليه، ومَن كان حيًّا سواء كان عالماً أو طالب علم يُنَّبه على خطئه برفق ولين ومحبَّة لسلامته من الخطأ ورجوعه إلى الصواب.
ومن العلماء الذين مَضوا وعندهم خلل في مسائل من العقيدة، ولا يستغنى العلماء وطلبة العلم عن علمهم، بل إنَّ مؤلَّفاتهم من المراجع المهمَّة للمشتغلين في العلم، الأئمة: البيهقي والنووي وابن حجر العسقلاني.
فأمَّا الإمام أحمد بن حسين أبو بكر البيهقي، فقد قال فيه الذهبي في السير (18/ 163) وما بعدها: ((هو الحافظ العلامة الثبت الفقيه شيخ الإسلام))، وقال: ((وبورك له في عمله، وصنَّف التصانيف النافعة))، وقال: ((وانقطع بقرابته مُقبلاً على الجمع والتأليف، فعمل السنن الكبير في عشر مجلدات، ليس لأحد مثله))، وذكر كتباً أخرى كثيرة، وكتابه (السنن الكبرى) مطبوع في عشر مجلدات كبار, ونقل عن الحافظ عبدالغافر بن إسماعيل كلاماً قال فيه: ((وتواليفه تقارب ألف جزء مِمَّا لم يسبقه إليه أحد، جمع بين علم الحديث والفقه وبيان علل الحديث، ووجه الجمع بين الأحاديث))، وقال الذهبي أيضاً ((فتصانيف البيهقي عظيمة القدر، غزيرة الفوائد، قلَّ مَن وجوَّد تواليفه مثل الإمام أبي يكر، فينبغي للعالم أن يعتني بهؤلاء، سيما سننه الكبرى)).
وامَّا الإمام يحي بن شرف النووي، فقد قال فيه الذهبي في تذكرة الحافظ (4/ 259): ((الإمام الحافظ الأوحد القدوة شيخ الإسلم علم الأولياء ...... صاحب التصانيف النافعة))، وقال: ((مع ما هو عليه من المجاهدة بنفسه والعمل بدقائق الورع والمراقبة وتصفية النفس من الشوائب ومحقها من أغراضها، كان حافظاً للحديث وفنونه ورجاله وصحيحه وعليله، رأساً في معرفة المذهب)).
وقال ابن كثير في البداية والنهاية (17/ 540) ((ثم اعتنى بالتصنيف، فجمع شيئاً كثيراً، منها ما أكمله، فمِمَّا كمَّل شرح مسلم والروضة والمناهج والرياض والأذكار والتبيان وتحرير التنبيه وتصحيحه وتهذيب الأسماء واللغات وطبقات الفقهاء وغير ذلك، ومِمَّا لم يتممه – ولو كمل لم يكن له نظير في بابه- شرح المهذب الذي سمَّماه المجموع، وصل فيه إلى كتاب الرِّبا، فأبدع فيه وأجاد وأفاد وأحسن الانتقاد، وحرر الفقه فيه في المذهب وغيره، وحرَّر فيه الحديث على ما ينبغي، والغريب واللغة وأشياء مهمَّة لا توجد إلاَّ فيه .... ولا أعرف في كتب الفقه أحسن منه، على أنَّه محتاجٌ إلى أشياء كثيرة تُزاد فيه وتضاف إليه)).
ومع هذه السعة في المؤلفات والإجادة فيها لم يكن من المعمَّرين فمدَّة عمره خمس وأربعون سنة ولد سنة (631هـ)، وتوفي سنة (676هـ).
وأمَّا الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، فهو الإمام المشهور بتآليفه الكثيرة، وأهمُّها فتح الباري شرح صحيح البخاري، الذي هو مرجع عظيم للعلماء، ومنها الإصابة وتهذيب التهذيب وتقريبه ولسان الميزان وتعجيل المنفعة وبلوغ المرام وغيرها.
ومن المعاصرين الشيخ العلاَّمة المحدَّث محمد ناصر الدين الألباني، لا اعلم له نظيراً في هذا العصر في العناية في الحديث وسعة الاطِّلاع فيه، لَم يسلم من الوقوع في أموره يعتبرها الكثيرون أخطأء منه، مثل اهتمامه بمسألة الحجاب وتقرير أنَّ ستر وجه المرأة ليس واجب، بل مستحب، ولو كان ما قاله حقَّا فإنَّه يُعتبر من الحقِّ الذي ينبغي إخفاؤه، لِماَ ترتَّب عليه من اعتماد بعض النساء اللَّاتي يوهين السفور عليه، وكذا قوله في كتاب صفة صلاة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ وضع اليدين عل الصدر بعد الركوع بدعةٌ ضلالة)) وهي مسألة خلافية, ويُحدِّث من حفظه أن يهم، وليس من الإنصاف ترك حديث شيخ ثْبتٍ صحَّت عدالتُه بأوهام يهم في روايته, ولو سلكنا هذا المسلك للزمنا ترك حديث الزهري وابن جريج والثوري وشعبة، لأنَّهم أهل حفظ وإتقان، وكانوا يحدِّثون من حفظهم، ولم يكونوا معصومين حتى لا يهموا في الروايات، بل الاحتياط والأولى في مثل هذا قبول ما يروي
¥