وقال (20/ 164): ((وليس لأحد أن ينصب للأمَّة شخصًا يدعو إلى طريقته، ويُوالي ويُعادي عليها غير النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، ولا ينصب لهم كلامًا يوالي عليه ويُعادي غير كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وما اجتمعت عليه الأمَّة, بل هذا من فعل أهل البدع الذين ينصبون بهم شخصًا أو كلامًا يفرِّقون به بين الأمَّة، ويوالون به على ذلك الكلام أو تلك النسبة ويُعادون)).
وقال (28/ 15_16): ((فإذا كان المعلم أو الأستاذ قد أمر بهجر شخص أو بإهداره وإسقاطه وإبعاده ونحو ذلك نظر فيه: فإن كان قد فعل ذنباً شرعيًّا عوقب بقدر ذنبه بلا زيادة، وإن لم يكن أذنب ذنبًا شرعيًا لم يجز أن يُعاقب بشيء لأجل غرض المعلم او غيره.
وليس للمعلمين أن يحزبوا الناس ويفعلوا ما يلقي بينهم العدواة والبغضاء, بل يكونون مثل الإخوة المتعاونين على البِّر والتقوى، وكما قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِّرِ ة وَ التَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَنِ}، قال الحافظ ابن رجب في شرح حديث: ((من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه)) من كتابه جامع العلوم والحكم (1/ 288): ((وهذا الحديث أصلٌ عظيم من أصول الأدب، والأدب، وقد حكى الإمام أبو عَمرو بن الصلاح عن أبي محمد بن أبي زيد – إمام المالكية في زمانه- أنَّه قال: جماعُ آداب الخير وأزمته تتفرَّع من أربعة أحاديث: قول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت))، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه) , وقوله للذي اختصر له في الوصية: ((لا تغضب))، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((المؤمن يُحبُّ لأخيه ما يُحبُّ لنفسه)).
أقوله: ما أحوج طلبة العلم إلى التأدُّب بهذه الآداب التي تعود عليهم وعلى غيرهم بالخير والفائدة، مع البُعد عن الجفاء والفظاظة التي لا تُثمر إلَّا الوحشة والفُرقة وتنافر القلوب وتمزيق الشمل.
5_ على كلِّّ طالب علم ناصح لنفسه أن يُعرضَ عن متابعة ما يُنشر في شبكة المعلومات الانترنت، عمَّا يقوله هؤلاء في هؤلاء, وهؤلاء في هؤلاء، والإقبال عند استعمال شبكة الانترنت على النظر في مثل مواقع الشيخ عبدالعزيز بن باز – رحمه الله – ومطالعة بحوثه وفتاواه التي بلغت حتى الآن واحدًا وعشرين مجلداً، وفتاوى اللجنة الدائمة التي بلغت حتى الآن عشرين مجلداً، وكذا موقع الشيخ محمد بن عثيمين – رحمه الله – ومطالعة كتبه وفتاواه الكثيرة الواسعة.
وفي الختام أوصي طلبة العلم أن يشكروا الله عزَّ وجلَّ على توفيقه لهم، إذ جعلهم من طلاَّبه، وأن يُعنوا بالإخلاص في طلبه، ويبذلوا النَّفس والنفيس لتحصيله، وأن يحفظوا الأوقات في الاشتغال به، فإن العلم لا يُنال بالأماني والإخلاد إلى الكسل والخمول، وقد قال يحي بن أبي كثير اليمامي: ((لا يُستطاع العلم براحة الجسم) رواه مسلم في صحيحه بإسناده إليه في أثناء إيراده أحاديث أوقات الصلاة، وقد جاء في كتاب الله آيات، وفي سنَّة نبيِّه صلى الله عليه وسلم أحاديث تدلّ على شرف العلم وفضل أهله، كقوله تعالى: {شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لَآ إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَآئِكةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ}.، وقوله: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}، وقوله: انقطع عنه عملُه إلاَّ من ثلاثة: إلاَّ من صدقةِ جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولدٍ صالح يدعو له)) رواه مسلم (1631)، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((مَن دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجرهم شيئاً، ومن دعاء إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً)) أخرجه مسلم (2674).
وأيضاً أوصي الجميع بحفظ الوقت وعمارته فيما يعود على الإنسان بالخير، لقوله صلى الله عليه وسلم: ((نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس: الصحَّةُ والفراغ)) رواه البخاري في صحيحه (6412)، في هذا الكتاب (11/ 235 مع الفتح) أثراً عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه قال: ((ارتحلت الدنيا مدبرة، وارتحلت الآخرة مقبلة، ولكلَّ واحدةٍ منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عملٌ ولا حسابٌ، وغداً حسابٌ ولا عمل).
وأوصي بالاشتغال بما يغني عمَّا لا يعني، لقوله صلى الله عليه وسلم: ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)) حديث حسن، رواه الترمذي (2317) وغيره، وهو الحديث الثاني عشر من الأربعين للنووي.
وأوصي بالاعتدال والتوسُّط بين الغلو والجفاء والإفراط والتفريط، لقوله صلى الله عليه وسلم: ((إيّاكم والغلوّ في الدِّين، فإنّما هلك من كان قبلكم بالغلوِّ في الدِّين))
وهو حديث صحيح، أخرجه النّسائي وغيره، وهو من أحاديث حجّة الوداع، انظر تخريجة في السلسة الصحيحة للألباني (1283).
وأوصي بالحذر من الظلم، للحديث القدسي: ((يا عبادي! إنِّي حرّمت الظلم على نفسي, وجعلتُه بينكن محرَّماً فلا تظالَموا)) رواه مسلم (2577)، ولقوله صلى الله عليه وسلم: ((اتقوا الظلمَ، فإنَّ الظلم ظلماتٌ يوم القيامة)) رواه مسلم (2578).
وأسأل الله عزَّ وجلَّ أن يوفَّق الجميع لِمَا فيه تحصيل العلم النافع والعمل به والدعوة غليه على بصيرة، وأن يجمعهم على الحقِ والهدى, ويسلمهم من الفتن ما ظهر منها وما بطن، إنَّه وليُّ ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدِّين.
¥