قلت: لا يظهر ذلك من الحديث, بل فيه ما ينفيه, فلقدت نذرت أن تضرب بالدف عنده (ص) , أي في مسكنه والمكان الذي سينزل ويعيش فيه. ويؤكد ذلك ما جاء في الحديث: "فدخل أبو بكر .. , ودخل غيره .. , ثم دخل عمر .. ". فالدخول هنا يقتضي الدخول في المسكن كما هو ظاهر. وبذلك ينتفي الادعاء المذكور؛ لأن الكفارلم يطلعوا على ما حدث, بله أن يستمعوا له.
قال: ومعنى كلامه أن القهوة المسكرة [هي] الحاصلة بالتركيب، وكذلك ما نحن فيه؛ الذي يسكر النفوس ويلهيها، ويصدها عن ذكر الله وعن الصلاة.
قلت: إذا انتفى اسكار النفوس وإلهاؤها وصدها عن ذكر الله والصلا, فلا حرج من السماع .. فتأمل.
قال: لقد وردت آثار كثيرة عن السلف من الصحابة وغيرهم تدل على حكمة التحريم، وهي أنها تلهي عن ذكر الله تعالى وطاعته، والقيام بالواجبات الشرعية.
قلت: بل هذه هي العلة لا الحكمة. فإذا انتفى ما ذكره العلامة الألباني فلا حرج من السماع كما قلنا مرارا. اهـ الحوار.
يقول المحرمون: إن هذا حرام؛ لأنه تشبه بالكفار.
أقول: هذا صحيح إذا كان الموسيقى استعمالها الغالب يدور في الفساق والفجار. فإن انتشر الأمر بين النساء والرجال - كما الان, كما كان في الماضي أيضا, وليس هذا محل إثباته- وصار هذه الأمر لا يتميز به، فإنها لا تعد تشبهاً. فهناك أمور قد صارت عادة بين النساء والرجال المسلمين، فخرجت بذلك عن حد الخصوصية بالكفار وعن التشبه بهم.
... إليكم هذا مما يكتمه المحرمون, ولا يذكرونه:
روى الطبري في تفيسره فقال: ثنا محمد بن سهل بن عسكر ثنا يحيى بن صالح ثنا سليمان بن بلال عن جعفر بن محمد عن أبيه (محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه, قال: كان الجواري إذا نكحوا كانوا يمرون بالكبر والمزامير, ويتركون النبي (ص) قائما على المنبر وينفضون, فأنزل الله: (وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها). حديث صحيح, وسنده صحيح لا مطعن فيه.
فما رأيكم أيها القراء في هذا .. , وهو مما يكتمه المحرمون, ولا يذكرونه في شيء من كتبهم على الإطلاق.
والحمد لله على توفيقه.
ما هي علة التحريم-إن صح أصلاً-:
بالنسبة لحديث المعازف, أقول-على فرض صحته-: لما حرم الله الخمر حرم معها كل ما يذكر بها, وكل ما له بها وثيق صلة, وكل ما هو شعار أهل الشرب والفحش. ولو كان المقصود هو تحريم المعازف لذاتها لقيس عليها كل ما يلتذ به الإنسان من أصوات الطيور وغيرها. وهذا من أشنع ما يلزم المحرمين.
والمنع-إن صح به الحديث أصلا- فهو من كون ذلك شعارا مختصا بأهل الفسق؛ لأن غيرهم من أهل العفة و النزاهة قديما و حديثا قد وقع منهم الاجتماع على السماع كما ثبت عن النبي (ص) و جماعة من الصحابة والتابعين في الأعياد والأفراح -كما أوضحت سابقا-.
فمن نوى به ترويح نفسه ليقوى بها على الطاعات و ينشط نفسه على البر فهو محسن، و فعله هذا من الحق.
يقول البعض: مناط التحريم هو الآلة الموسيقية نفسها؛ لكونها شعار الفساق.
أقول: لم تعد ((حكرا)) على أهل الفسق, علامة ((تجارية)) لهم. بل لقد انتشر استخدامها عند الفضلاء والنبلاء كما هو مشاهد وواقع, لا يجادل في ذلك إلا مكابر.
وبالنسبة لحديث المعازف .. هل ثبت أم لا .. , أقول مستعينا بالله:
* عن عبدالرحمن بن غنم الأشعري قال: حدثني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري ـ والله ما كذبني ـ سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " ليكوننَّ من أمتي أقوامٌ يستحلون الحِرَ، والحريرَ، والخمرَ، والمعازف، .... " الحديث, رواه البخاري تعليقا, وغيره موصولاً. فلا يضره تعليق البخاري, ولا وجود عمار بن هشام في سنده؛ لوروده من طريق أخرى.
ولكن كلا الطريقين يلتقي عند راو اسمه عطية بن قيس.
** وعطية بن قيس ليس في عدالته خلاف؛ لأنه من القراء الأئمة المشاهير.
ولكن الكلام في ضبطه للأحاديث.
فقد ذكره ابن حبان في "الثقات" كعادته في توثيق المجاهيل - حيث لا يعرف حال عطية في الحديث؛ كما سيأتي -.
¥