اتفقوا علي تحريم كل غناء يشتمل علي فحش أو فسق أو تحريض علي معصية، إذ الغناء ليس إلا كلامًا، فحسنه حسن، وقبيحه قبيح، وكل قول يشتمل علي حرام فهو حرام، فما بالك إذا اجتمع له الوزن والنغم والتأثير؟
واتفقوا علي إباحة ما خلا من ذلك من الغناء الفطري الخالي من الآلات والإثارة، وذلك في مواطن السرور المشروعة، كالعرس وقدوم الغائب، وأيام الأعياد، ونحوها بشرط ألا يكون المغني امرأة في حضرة أجانب منها.
وقد وردت في ذلك نصوص صريحة – سنذكرها فيما بعد.
واختلفوا فيما عدا ذلك اختلافًا بينا: فمنهم من أجاز كل غناء بآلة وبغير آلة، بل اعتبره مستحبًا، ومنهم من منعه بآلة وأجازه بغير آلة، ومنهم من منعه منعًا باتًا بآلة وبغير آلة وعده حرامًا، بل ربما ارتقي به إلي درجة الكبيرة.
قال وقلت: في الغناء والموسيقى:
عندما يذكر في كلامي ((قال)) فالمقصود كلام العلامة الألباني في تحريم الات الطرب. وعندما أقول ((قلت)) فهو أنا. وتعليقي لا يقصد به التجريح في الإمام الألباني, حاشا لله, فهو من أساتذتي الأوائل الذين تربيت ونشأت في ظلال ((كل)) كتبه كاملة مكملة.
قال: وإنما فيه إنكاره صلى الله عليه وسلم إنكار أبي بكر على الجاريتين، وعلل ذلك بقوله:
" فإن لكل قوم عيدا، وهذا عيدنا ".اهـ.
قلت: لأن هذا وقت بهجة وسرور وترويح عن النفس وتجديد للنشاط. وهذا التعليل يتفق عليه كل من شم رائحة الفقه.
قال: "كأنه صلى الله عليه وسلم يقول لأبي بكر: أصبت في تمسكك بالأصل، وأخطأت في إنكارك على الجاريتين، فإنه يوم عيد".
قلت: فكأنه-لأنه يوم عيد- تباح فيه المحرمات والنكرات ومزامير الشيطان .. !!؛ إشاعة للبهجة والسرور. غذا, وقياسا على ما يقول المحرمون, فلنبح شرب الخمر في العيد, وكذا الميسر والقمار؛ إشاعة للبهجة والسرور. وهذا باطل لا يقول به مسلم ألغناء والمعازف مزمور شيطان في غير العيد, ومزمور ملاك في العيد .. !!!
قال: لما أمر صلى الله عليه وسلم أبا بكر بأن لا ينكر عليهما بقوله: " دعهما "، أتبع ذلك بقوله: " فإن لكل قوم عيدا. . . " فهذه جملة تعليلية تدل على أن علة الإباحة هي العيدية.
قلت ثانية: فكأن المحرمات ومزامير الشيطان تباح في العيد إظهارا للفرح, وتحرم بعد ذلك إشاعة -عملا بمفهوم المخالفة- للحزن والكابة والملل. فيا للعجب العجاب من هذا القول غير القويم.
قال: فقالت: إني كنت نذرت إِن ردك الله صالحا (وفي رواية: سالما) أن أضرب عندك بالدف [وأتغنى]؟
قلت: أي إظهارا لفرحها وسرورها.
قال: " إن كنت فعلت (وفي الرواية الأخرى: نذرت)، فافعلي، وإن كنت لم تفعلي فلا تفعلي".
قلت: في هذا رد على من يدعي أن النبي (ص) أباح لها ذلك مساءة للكفار, وإرغاما للمنافقين. إذ لو كان الأمر كما يقولون لحثها النبي (ص) على الفعل ولو لم تكن قد نذرت. وبهذا تتهاوى تأويلات المحرمين كالفراش المحترق ولله الحمد.
قال: اغتفر لها السبب الذي نذرته لإظهار فرحها، خصوصية له صلى الله عليه وسلم دون الناس جميعا.
قلت: إن كان هذا القول حقا, فلماذا لم يخبرها النبي (ص) بأن هذا الذي فعلته لا يجوز مع غيره (ص) , فتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز؟! وكأن النبي (ص) -وحاشاه ذلك- يبيح المحرمات والمنكرات ومزامير الشيطان حتى تظهر المرأة فرحها وسرورها بعودته -صلى الله عليه وسلم- سالما مظفرا منتصرا خصوصية له (ص)!! وكأن الفرح به (ص) لا يتم ولا يستقيم إلا بمزمور الشيطان والمحرمات. كيف ذلك أيها القوم .. ؟!! هذا (ص) سراج الأمة المنير ومخرجها من الظلمات إلى النور, الذي بعث ليقضي على المحرمات والمنكرات (ومزامير الشيطان كما تدعون). فبدلا من ان يعلمها النبي (ص) أن ما تفعله هذه المرأة لا يجوز-كما يدعي المحرمون- ثم يرشدها إلى ما يجوز.
قال: ضرب الدف ليس مما يُعد في باب الطاعات التي يعلق بها النذور.
قلت: بل يعلق بها النذور. فيجب الوفاء في النذر مهما كان, ما لم يكن بدعة أو معصية.
قال: وكانت فيه-أي الضرب بالدف- مساءة الكفار، وإرغام المنافقين.
¥