تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أما بعد فإني أهنئ نفسي وأهنئ قرّاء العربية بهذا الكتاب الرائع، وأهنئ أهل مصر والسودان بهذا الأديب الفذّ، الذي ننتظر منه الكثير. "

هذا هو بأيسر طريق رأي الدكتور طه حسين في الجزء الأول من كتاب المرشد للدكتور عبد الله الطيب، وهو رأي كما هو واضح لا تنقصه الجرأة ولا الصراحة، غير أني سمعت أن من وراء السطور شيئاً آخر، فقد حدثني صديقي الأستاذ التجاني سعيد القاطن بالسودان أن طه حسين كان يبتغي من وراء هذه المقدمة أن يصنع في السودان رجلاً مثله تماماً على طريقته ومذهبه، وأنه بمعاونة المستشرقين وجد بغيته عند الدكتور عبد الله الطيب، ولكنه فيما بعد لم يفلح لأن الدكتور الطيب منحدر من أسرة عريقة في التدين، كما ذكر ذلك هو في رسائله إلى الدكتور طه حسين في الرسالة المؤرخة في 21/ 9/1954م.

وكانت النتيجة الحتمية لهذا التدين عند الطيب أن ينحاز إلى الأمة وإلى قرآنها وتراثها، بشكل يتناقض تماماً مع توجهات طه حسين، والله أعلم.

بين عبد الله الطيب وإحسان عباس:

التقيت الدكتور إحساناً في منزله، وجرى الحديث بيني وبينه عن السودان وعن عبد الله الطيب، فأبدى ثناءً عاطراً عليه وعلى علمه واهتمامه بالتراث وأن الدكتور الطيب صديقه، ومضت بي الأيام وإذ بالدكتور إحسان عباس يصدر كتاباً بعنوان غربة الراعي، قرأته فقرأت فيه الأسى واليأس، في كل سطرٍ من سطوره، ولفت نظري ما كتبه عن الدكتور عبد الله الطيب، إذ يقول: إنه في عام 1960م حدثت عنده مشكلة في تجديد عقده في العمل في جامعة الخرطوم وفي كلية الآداب التي كان رئيس القسم فيها الدكتور عبد الله الطيب، بعد أن استقال أو أُقيل الدكتور محمد النويهي، فلما حان موعد تجديد العقد كما يقول: استشار رئيس الجامعة رئيس القسم فأبدى رئيس القسم عدم رغبتنه في ذلك إلا بشرط واحدٍ غريب جداً، وهو فصل الأستاذين السودانيين عوض الكريم والمجذوب، كما حدثه بذلك رئيس الجامعة نفسه! وإنه كان يدرك أن هذا الشرط تعجيزي وأن الرئيس حاول إقناع رئيس القسم دون جدوى. لكن لماذا هذا الأمر؟ يقول الدكتور إحسان: كان رئيس القسم قد استاء مني لأنه كان يراني أكثر الجلوس في مكتب أحد الأستاذين اللذين اشترط طردهما، ظناً منه أننا لا نجتمع معاً إلا لاستغابته وإذا كان هو عند نفسه مهما فلم يكن عندنا كذلك، وكان وقتنا أثمن من أن نبدده في أمور هامشية، وكان هناك أديب لبناني اسمه أحمد أبو سعد قد بدأ مشروع إصدار مختارات من الشعر العربي المعاصر لكل بلد على حدة، وأصدر في تلك السلسلة جزءًا يحتوي مختارات من الشعر السوداني، وذكر عبد الله الطيب وذكر أنه يكثر الهجاء لوطنه وأهل وطنه وأضاف: وذلك لا يليق بعباد الله الطيبين، وسألني (البروفيسور) عبد الله إن كنت رأيت هذا الكتاب، فأنبأته أنه عندي وأعرته النسخة التي أهدانيها المصنف، فوقر في نفسه أن لي يداً في ما كتبه أبو سعد عنه، والله يعلم أنني لم أكن أعرف المؤلف ولم تكن لي به أدنى علاقة ...

وهذه من الهنات، وإنما أذكرها هنا لأنها قد توضح لمن يتساءلون أسباب مغادرتي للسودان والملابسات التي أحاطت بها.

هذا ما كتبه الدكتور إحسان عن عبد الله الطيب، وإني لأتساءل كيف استطاع الدكتور إحسان أن يكتشف ما في نفس الدكتور الطيب عنه بهذه الكيفية. لكن كيف ذكر الطيب إحسان عباس؟ لم أجد له فيما قرأت ذكراً إلا في إحدى رسائله إلى الدكتور طه حسين يقول فيها:

هذا وقد أخبرني زميلُ لي يدعى الدكتور إحسان أن الأستاذ السقا يحسب أنني انسب إليه تأخير طبع الكتاب وهذا ليس بصحيح، وأنا لا أنسب تأخير طبع الكتاب إلا للناشر السيد عبد القوي الحلبي، ولعله أن يكون قد تخرص عليّ هذا التخرّص لدى الأستاذ السقا. والله حسيبه وحسبي إن كان ذلك قد وقع منه.

هذا كل ما ذكره الدكتور عبد الله الطيب عن الدكتور إحسان والله تعالى أعلم بحقيقة الحال. على أني أتشكك في رواية الدكتور إحسان لأن الدكتور عبد الله الطيب قد نال عدة جوائز وتبوّأ عدة مناصب وأقيمت له لجنة تكريمية على مستوى السودان، أفغفل هؤلاء عن عبد الله الطيب وأنه ممن يهجو بلده وأهله، وكيف لمن يفعل ذلك أن يكرمه أهله, أتساءل وأدع الجواب عليه لعقول السادة القرّاء.

وعلى كل حال غاب الرجلان وهما بين يدي الرحيم الرحمن والله تعالى نسأل لهما الرحمة والصفح عما بدر منهما.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير