وبعد فهذه نبذة لسيرة سمح بها الوقت في الحديث عن عالم العربية الكبير الذي لم ينل حقه من التكريم إلا بعد حين، والذي تجاهلت معظم البلدان الإسلامية والعربية الحديث عنه عند وفاته متناسيةً فضله على العربية وأهلها في السودان وخارجه. رحم الله الدكتور عبد الله الطيب، العالِم المتواضع، وأسكنه فسيح جناته.
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[08 Oct 2005, 08:28 م]ـ
أحسن الله إليكم يا دكتور جمال على هذا المقال الماتع، وفي الحق أن الدكتور عبدالله الطيب من أفاضل العلماء والأدباء والشعراء المتأخرين، والأدب السوداني وأهله قد لحق بهم الحيف والظلم فلم يعطوا حقهم من التكريم والثناء الذي هم له أهل، وذلك لقلة ذات أيديهم، وما غلب عليهم من الزهد في الظهور. ولو كان الدكتور عبدالله الطيب من أهل مصر لطار به أهل مصر فرحاً، ولأخذ شيئاً مما يستحقه رحمه الله. وقد أحسنت يا أبا محمد عندما نقلت مقدمة الدكتور طه حسين لهذا الكتاب لندرته، وقد اعترف الدكتور عبدالله الطيب بفضل الدكتور طه حسين عليه في طباعة الجزء الأول من كتابه (المرشد) في بداية الجزء الثاني فقال نثراً وشعراً:
(لما قرأت تلك المقدمة البارعة الرائعة، الصادقة النبيلة، التي حلى بها علامة العرب، وعميد الأدب، الدكتور طه حسين، صدرَ كتابي الأول، لم أملك نفسي أن نظمت هذه الأبيات، وبعثت بها إليه، حفظه الله وتولاه:
عصتني الطيعات من القوافي = فما أدري وحقك ما أقولُ
وأعياني البيانُ، وكيف يجزى= جميلك أيها الشيخ الجليلُ
عرفتك في الصبا، وغربت دهراً= وحبك في الجوانح ما يحولُ
عرفتك في صحائف مشرقاتٍ=كأن سوادها الطرف الكحيلُ
بلوتك أريحيَّ القلب شهماً=له الغايات والسبق الأصيلُ
يخلد في كتاب العرب فرداً=كما خلدَ المبردُ والخليلُ
ولست أدري مدى صدق ما ذكرته يا أبا محمد في الغرض الذي كان يرمي إليه طه حسين من احتفائه بالدكتور عبدالله الطيب، وقد أفضيا إلى ما قدما تولاهما الله بعفوه.
وأما كتاب الدكتور عبدالله الطيب الخالد (المرشد إلى فهم أشعار العرب وصناعتها) فهو كتاب لم يحظ بما يستحقه من الذيوع بين الأدباء وطلاب العلم، وهو من أجود وأفضل وأمتن ما اطلعت عليه في كتب الأدب العربي في القرون المتأخرة، حتى إنه يكاد يتفوق على كتب المتقدمين لجودته ومتانته، وسعة علم صاحبه في اللغة والشرع، ورهافة ذوقه وحسه بما لا يوجد إلا عند كبارالأدباء المتقدمين كالآمدي وعلي بن عبدالعزيز الجرجاني وعبدالقاهر الجرجاني وأضرابهم رحمهم الله. ولعل الله ييسر لنا الوقوف مع هذا الكتاب وقفات أدبية ندل على جوانب الإبداع والتميز فيه لعل طالباً للعلم والأدب ينتفع بها إن شاء الله.
ـ[أبو صلاح الدين]ــــــــ[08 Oct 2005, 08:43 م]ـ
بارك اله فيك يا أستاذنا الفاضل د. جمال أبو حسان.
ورحم الله الدكتور الطيب.
يقول الأخ الشهري: ((ولعل الله ييسر لنا الوقوف مع هذا الكتاب وقفات أدبية ندل على جوانب الإبداع والتميز فيه لعل طالباً للعلم والأدب ينتفع بها إن شاء الله))
أقول: همتكم .. أعانكم الله, ونحن في الانتظار.
ـ[حارث الهمام]ــــــــ[09 Oct 2005, 12:42 ص]ـ
أحسنتما بارك الله فيكما، وهذا ولم يكن عبدالله الطيب بارعاً في علوم العربية فحسب، وناقداً حتى للكبار المتقدمين فقط -ويعرف قوة نقده كل من قرأ الجزء الأول من المرشد كما أشرتما- بل كان بارعاً في علوم الأدب العربي والأدب الغربي جميعاً، ومما اشتهر قوله عن نفسه: هو يعلم الإنجليزية ويعلم الفرنسية ويعلم القليل عن اللغة العربية! وتعجب حقاً إذا سمعته ينتقد شكسبير، أويعلق على فولتير، أوينتقد الأندرومافيل لكمكتون في بحثه الذي أهداه للعلامة محمد شاكر. وقد تعرض في أجزاء من المرشد إلى نقد الأدب الغربي بما لم أجد مثله.
ويزداد عجبك عندما تقرأ بحوثه التاريخية وإذا سمعته يتحدث في هذا المضمار تقول لايحسن غيره، وليقرأ من شاء بحثه بعنوان: هجرة الحبشة وما وراءها من أنباء، والذي يقرر فيه أن أرض الحبشة القديمة تشمل عامة أرجاء السودان، وليست هي تلك الرقعة المعروفة الآن، والبحث من جملة الأبحاث المقدمة للندوة العلمية الثالثة لدراسات تاريخ الجزيرة العربية فى 15 - 21 محرم 1404، بقسم التاريخ وقسم الآثار والمتاحف من كلية الآداب بجامعة الملك سعود وهو ضمن الكتاب الثالث: "الجزيرة العربية فى عصر الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين، الجزء الأول.
وإلى علمه بتاريخ العرب كان عالماً بأنسابهم، ولعله لا أحد يبلغ شأوه في معرفة أنساب عرب السودان إلاّ أن يكون تلميذه البرفسور عون الشريف قاسم.
ولما كان هذا الملتقى ملتقى أهل التفسير كان من المناسب أن أختم بالإشارة إلى تفسيره، فإن للأستاذ تفسيراً جرى فيه على طريقة اللغويين شمل القرآن الكريم، ولا أظنه قد طبع إلاّ ما حرره وهي الأجزاء الثلاثة الأول، وفيه فوائد جمة، وقد فسر القرآن في عقد الستين وخلال نحو عشر سنين بالإذاعة السودانية بلهجة تغلب عليها العامية ومع ذلكفإن في تفسيره فوائد حسنة.
هذا والذي يظهر لي من شأن الأستاذ عدم رسوخه في علم الشريعة مع أنه جبل في بعض علوم الآلات المتعلقة بها، ولعل تدينه كان كتدين عامة الناس يعتريه ما يعتريه ولهذا لم يكن رابط وراء اتصاله بطه حسين أكثر من وشيجة اللغة والأدب، وكما اتصل بهذا اتصل بأهل فضل معروفين كأبي فهر محمد شاكر، والعلامة محمود محمد شاكر وله فيه مرثية. ويبدو لي أن دراسته في الغرب واتصاله برجاله أثر فيه غير أن أصل أسرته -على تصوفها- ونشأته الدينية عصمته من الإنجراف نحو ما أراده المستشرقون والشانؤون الحاقدون على القرآن والإسلام.
¥