وقال السّبكيّ: ويحسن التّوسّل والاستغاثة والتّشفّع بالنّبيّ إلى ربّه.
وفي إعانة الطّالبين:. . . وقد جئتك مستغفرا من ذنبي مستشفعا بك إلى ربّي. ما تقدّم أقوال المالكيّة والشّافعيّة.
وأمّا الحنابلة فقد قال ابن قدامة في المغني بعد أن نقل قصّة العتبيّ مع الأعرابيّ: ويستحبّ لمن دخل المسجد أن يقدّم رجله اليمنى. . . إلى أن قال: ثمّ تأتي القبر فتقول. . . وقد أتيتك مستغفراً من ذنوبي مستشفعا بك إلى ربّي. . . ". ومثله في الشّرح الكبير.
وأمّا الحنفيّة فقد صرّح متأخّروهم أيضاً بجواز التّوسّل بالنّبيّ صلى الله عليه وسلم.
قال الكمال بن الهمام في فتح القدير: ثمّ يقول في موقفه: السّلام عليك يا رسول اللّه. . . ويسأل اللّه تعالى حاجته متوسّلا إلى اللّه بحضرة نبيّه عليه الصلاة والسلام.
وقال صاحب الاختيار فيما يقال عند زيارة النّبيّ صلى الله عليه وسلم. . . جئناك من بلاد شاسعة. . . والاستشفاع بك إلى ربّنا. . . ثمّ يقول: مستشفعين بنبيّك إليك.
ومثله في مراقي الفلاح والطّحاويّ على الدّرّ المختار والفتاوى الهنديّة.
ونصّ هؤلاء: عند زيارة قبر النّبيّ صلى الله عليه وسلم اللّهمّ. . . وقد جئناك سامعين قولك طائعين أمرك مستشفعين بنبيّك إليك.
وقال الشّوكانيّ: ويتوسّل إلى اللّه بأنبيائه والصّالحين. وقد استدلّوا لما ذهبوا إليه بما يأتي:
أ - قوله تعالى: {وَابْتَغُوا إليه الوَسِيلةَ}.
ب - حديث الأعمى المتقدّم وفيه: «اللّهمّ إنّي أسألك وأتوجّه إليك بنبيّك محمّد نبيّ الرّحمة». فقد توجّه الأعمى في دعائه بالنّبيّ عليه الصلاة والسلام أي بذاته.
ج - «قوله صلى الله عليه وسلم في الدّعاء لفاطمة بنت أسد: اغفر لأمّي فاطمة بنت أسد ووسّع عليها مدخلها بحقّ نبيّك والأنبياء الّذين من قبلي فإنّك أرحم الرّاحمين».
د - توسّل آدم بنبيّنا محمّد عليهما الصلاة والسلام: روى البيهقيّ في " دلائل النّبوّة " والحاكم وصحّحه عن عمر بن الخطّاب قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم «لمّا اقترف آدم الخطيئة قال: يا ربّ أسألك بحقّ محمّد لما غفرت لي فقال اللّه تعالى: يا آدم كيف عرفت محمّدا ولم أخلقه؟ قال: يا ربّ إنّك لمّا خلقتني رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوبا لا إله إلّا اللّه محمّد رسول اللّه فعلمت أنّك لم تضف إلى اسمك إلا أحبّ الخلق إليك، فقال اللّه تعالى: صدقت يا آدم، إنّه لأحبّ الخلق إليّ، وإذ سألتني بحقّه فقد غفرت لك، ولولا محمّد ما خلقتك».
هـ – حديث الرّجل الّذي كانت له حاجة عند عثمان بن عفّان رضي الله عنه: روى الطّبرانيّ والبيهقيّ «أنّ رجلاً كان يختلف إلى عثمان بن عفّان رضي الله عنه في زمن خلافته، فكان لا يلتفت ولا ينظر إليه في حاجته، فشكا ذلك لعثمان بن حنيف، فقال له: ائت الميضأة فتوضّأ، ثمّ ائت المسجد فصلّ، ثمّ قل: اللّهمّ إنّي أسألك وأتوجّه إليك بنبيّك محمّد نبيّ الرّحمة يا محمّد إنّي أتوجّه بك إلى ربّك فيقضي لي حاجتي، وتذكر حاجتك، فانطلق الرّجل فصنع ذلك ثمّ أتى باب عثمان بن عفّان رضي الله عنه، فجاء البوّاب فأخذ بيده، فأدخله على عثمان رضي الله عنه فأجلسه معه وقال له: اذكر حاجتك، فذكر حاجته فقضاها له، ثمّ قال: ما لك من حاجة فاذكرها ثمّ خرج من عنده فلقي ابن حنيف فقال له: جزاك اللّه خيرا ما كان ينظر لحاجتي حتّى كلّمته لي، فقال ابن حنيف، واللّه ما كلّمته ولكن «شهدت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وأتاه ضرير فشكا إليه ذهاب بصره».
إلى آخر حديث الأعمى المتقدّم.
قال المباركفوري: قال الشّيخ عبد الغنيّ في إنجاح الحاجة: ذكر شيخنا عابد السّنديّ في رسالته والحديث - حديث الأعمى - يدلّ على جواز التّوسّل والاستشفاع بذاته المكرّم في حياته، وأمّا بعد مماته فقد روى الطّبرانيّ في الكبير عن عثمان بن حنيف أنّ رجلا كان يختلف إلى عثمان. . إلى آخر الحديث.
وقال الشّوكانيّ في تحفة الذّاكرين: وفي الحديث دليل على جواز التّوسّل برسول اللّه صلى الله عليه وسلم إلى اللّه عزّ وجلّ مع اعتقاد أنّ الفاعل هو اللّه سبحانه وتعالى وأنّه المعطي المانع ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن.]]
انتهى الاقتباس.
¥