[" لا تتخذوا بطانة " بقلم الدكتور صلاح الخالدي]
ـ[محمد السيلاوي]ــــــــ[17 Apr 2009, 08:38 م]ـ
" لا تتخذوا بطانة "
قال الله عز وجل:} يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم، لا يألونكم خبالاً، ودّوا ما عنتّم، قد بدت البغضاء من أفواههم، وما تخفي صدورهم أكبر، قد بيّنّا لكم الآيات إن كنتم تعقلون {(آل عمران: 118).
يحذّر الله في هذه الآية - والآيتين اللتين بعدها، وسنتحدث عنهما في حلقات قادمة بعون الله - المؤمنين من موالاة الكفار الأعداء، ويعرّفهم على شدة عداوة هؤلاء الأعداء لهم.
ولهذه الآية «بُعد واقعي» معاصر، حيث إنها تنطبق على أحوال المسلمين المعاصرين، وتنطبق على أعدائهم المعاصرين انطباقاً كاملاً.
وتعالوا معنا يا أحبابنا من أبنائنا وبناتنا وإخواننا وأخواتنا؛ نقف مع جمل هذه الآية الحكيمة، وندرك ما فيها من توجيهات، وننظر في أوضاعنا السيئة وفي ملامح أعدائنا من خلالها، لنتعرف على المهمة الواقعية الحركية الحية للقرآن.
} يا أيها الذين آمنوا {: هذا النداء الجليل من الله الحكيم للمؤمنين، وهو ليس خاصاً بجيل واحد من أجيال المؤمنين، كجيل الصحابة فقط، أو جيل التابعين فقط، وإنما هو عام، يشكل كل المؤمنين، في أي زمان أو مكان، على اختلاف أجيالهم وبلدانهم وقرونهم، هذا النداء موجه للصحابة وللتابعين، ولتابعي التابعين، وللمؤمنين زمن صلاح الدين، وزمن الظاهر بيبرس، وللمؤمنين في العصر العثماني، وللمؤمنين في القرن العشرين المنصرم، وللمؤمنين الذين يعيشون الآن بدايات القرن الحادي والعشرين، وللمؤمنين القادمين بعد قرن، وبعد قرنين، وبعد عشرة قرون، وحتى قيام الساعة، يقول الله لكل جيل من هذه الأجيال:} يا أيها الذين آمنوا {، ويعرفهم على أعدائهم، وإذا كان الصحابة واجهوا الفرس والروم، فإن المسلمين زمن صلاح الدين واجهوا عداوة الصليبيين، وزمن بيبرس واجهوا عداوة التتار، وبينما واجه آباؤنا في القرن الماضي عداوة الأوروبيين، فإننا في هذه الأيام نواجه عداوة اليهود والأمريكان في المقام الأول، وقد يواجه أبناؤنا عداوة روسيا أو الصين أو الهند أو البرازيل في المقام الأول.
} لا تتخذوا بطانة من دونكم {: معنى الاتخاذ هنا: التصيير والتحويل و} تتخذوا {: فعل مضارع مجزوم بلا الناهية، وعلامة جزمه حذف النون، والواو في محل رفع فاعل وهي تعود على المؤمنين، وينصب هذا الفعل مفعولين: المفعول الأول محذوف تقديره: (الأعداء) والمفعول الثاني} بطانة {والمعنى: لا تتخذوا الأعداء بطانة، أي: لا تصيروا الأعداء بطانة، ولا تحولوهم من أعداء إلى مقربين خبراء.
والبطانة: الشيء الذي يلي البطن، ولذلك سمي بطانة، ونعرف أن للثوب الذي يلبسه أحدنا وجهين: وجه خارجي ظاهر، يراه الناس، ويحرص لابسه على جماله وأناقته، لأن الآخرين يشاهدونه عليه .. ووجه باطني داخلي، محجوب عن أعين المشاهدين، وهذا الوجه الباطني يسمى "بطانة" لأنه قريب من البطن والجسم، وقد يكون ملتصقاً به مباشرة.
ويدل النهي هنا على تحريم اتخاذ الأعداء بطانة للمؤمنين، لأن الأصل في النهي أنه للتحريم، ومعنى هذا أن من اتخذ العدو بطانة فهو آثم ومجرم، ومرتكب جريمة كبيرة وخطيرة ومدمرة.
تريد هذه الجملة أن تحذرنا من تقريب الأعداء، وجعلهم مستشارين وخبراء، ومخططين وحكماء، لأنهم لا يشيرون علينا بخير، ولا يريدون بنا النفع، وإنما يخططون ضدنا، ويحرصون على إضعافنا.
وأدعو الأبناء والبنات إلى تصور المنظر العجيب الذي تلقيه هذه الجملة في خيالنا، وإلى استحضاره على أساس "التصوير الفني في القرآن" الذي عرض به القرآن مختلف موضوعاته، فبدت لنا مشاهد ومناظر، وأفلاماً مصورة مؤثرة.
تعالوا نصور، ونتخيل ونتصور ..
} لا تتخذوا بطانة من دونكم {!! هل تصورتم وتخيلتم! أعرض لكم ما صوّرته: الزعيم العربي (س) ها هو يلبس ثوباً عربياً فضفاضاً، انظروا: لثوبه وجهان: وجه ظاهر جميل نراه وننظر إليه، ووجه باطني داخلي هو "البطانة" انظروا إلى هذا الزعيم!! ماذا يفعل؟! إنه يسير نحو الشيطان اليهودي "نتنياهو"، ها هو يعانقه ويحتضنه!! انظروا!! ها هو يدخله داخل ثوبه، ها هو نتنياهو يأخذ موقعه بين ثوب الزعيم وبين جسده، وهو موقع استراتيجي حساس، وها هو يطلع على كل شيء عند هذا الزعيم، ويعرف كل شيء ظاهر أو خفي في بلد الزعيم، من حيث الموارد والقدرات والميزانيات، وها هو الملاصق لجسم الزعيم يدرس ويخطط، ويبحث ويحلل، ويجمع وينسق، وها هو يضع المخططات اليهودية الشيطانية للسيطرة على ذلك البلد العربي المنكوب، وتحويله إلى "بقرة حلوب" يحلبها ذلك اليهودي البطانة! وعلى ذلك البلد العربي السلام!!
تخيّلوا منظراً مصوراً آخر: ذاك الزعيم العربي الآخر: (ص) يتخذ عدواً آخر بطانة: الزعيم الأمريكي أو البريطاني أو الفرنسي أو الروسي .. أو .. أو .. وذاك "البطانة" يفعل فعله في الكيد والتآمر والتخطيط والتطبيع والسيطرة ..
ولا يكتفي كثير من القادة والمسؤولين ببطانة واحدة، وبعضهم يكون له بطانات متعددة، خمس أو عشر أو عشرون .. تخيلوا .. لذلك المسؤول أربعون عدواً جعلهم بطانات، وكأنهم أربعون شيطاناً يركبونه ويتلبسون به ..
أيّ عبيط مغفل يأتي بعدوّه وعدوّ أمته ووطنه وشعبه ودينه، ويجعله "بطانة" مستشاراً خبيراً مخططاً عنده؟ أين ذهب عقله؟ وهل يصلح أن يكون زعيماً وهو بهذا "العبط"؟!
هل رأيتم رجلاً عاقلاً جعل على جسده ثعابين وأفاعي، وعقارب وعناكب، ولبس عليها ملابسه الداخلية، ووضع فوقها ثيابه، وأعملت الأفاعي والعقارب والعناكب في جسمه لدغاً، فتسمم جسمه وانتفخ من اللدغ، وظن أن هذا الانتفاخ سمنة وصحة!!
أرأيتم جمال التصوير الرائع في النهي عن جعل العدو بطانة بين الجلد والثوب .. أما ظرف المكان} من دونكم {فهو يدل على أن الأعداء يجب أن يكونوا دائماً "دون" المؤمنين، وأسفل منهم في المنزلة، ولا يجوز أن يتحولوا في زمن "الشقلبة" من الدون الأسفل إلى الأرفع الأعز الأعلى!!
ونكمل التصوير والتحليل في الحلقات القادمة إن شاء الله.