[الزلزال وأسبابه للشيخ صلاح البدير]
ـ[أبو عبد الله محمد مصطفى]ــــــــ[24 May 2009, 12:30 م]ـ
[الزلزال وأسبابه للشيخ صلاح البدير]
27/ 5 / 1430 هـ
الخطبة الأولى:
الحمد لله العظيم في قدره العزيز في قهره، العليم بحال العبد في سره وجهره، أحمده على القدر خيره وشره، وأشكره على القضاء حلوه ومره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .. له الآيات الباهرة، ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمداً عبده ورسوله .. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد، فياأيها المسلمون اتقوا الله حق تقاته، وسارعوا إلى مغفرته ومرضاته، وسابقوا إلى رحمته وجنته، وحاذروا سخطه وأليم نقمته .. إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون.
أيها المسلمون .. خلق الله الخلق وهو المعبود أبداً المحمود على طول المدى، ومن آيات قدرته العظيمة أن جعل الأرض قارة ساكنة ثابتة لا تزلزل ولا تضطرب ولا تميد ولا تتحرك بأهلها ولا ترجف بمن عليها، وجعلها مهاداً وبساطاً، وأرساها بالجبال وقررها وثقلها حتى سكنت وتذللت:
وحالها القرار فاستقرتِ وشدها بالراسيات الثُبتِ
أنبع عيونها وأظهر مكنونها، وأجرى أنهارها وأنبت زرعها وأشجارها وثمارها، وبث الخلق فيها إذ دحاها فهم قطانها حتى التنادي، يعيشون في أرجائها وأطرافها حتى إذا انتهى الأمر وانقضى الأجل أذن الله لها فتزلزلت وتحركت وألقت بما فيها من الأموات وحدثت بما عمل العاملون على ظهرها من الحسنات والسيئات: يوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا * يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ الزلزلة 4 - 8.
أيها المسلمون .. ولله آياتٌ وعظاتٌ يريها عباده في الدنيا إنذاراً وتخويفاً وتحذيراً وترهيباً وإيقاظاً وتذكيراً: .. وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً الإسراء 59 ..
قال قتادة: " إن الله يخوف الناس بما يشاء من عباده لعلهم يعتبرون ويذكرون ويرجعون ".
ومن الآيات المخيفة والنذر المرعبة والعظات الموقظة آية الخسف والرجفة والزلزلة، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " لا تقوم الساعة حتى يُقبض العلم، وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، وتظهر الفتن ويكثر الهرج - وهو القتل - حتى يكثر فيكم المال فيفيض " أخرجه البخاري ..
وعن عمران بن حصين - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " في هذه الأمة خسفٌ ونسفٌ وقذف، فقال رجل: يارسول الله ومتى ذاك؟ قال: إذا ظهرت القينات والمعازف وشُربت الخمورُ " أخرجه الترمذي ..
وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " يكون في آخر هذه الأمة خسفٌ ومسخٌ وقذف، قالت: قلت: يارسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم .. إذا ظهر الخبث " أخرجه الترمذي ..
وعن صفية بنت أبي عبيد قالت: " زُلزلت الأرض في عهد عمر حتى اصطفقت السرر، فخطب عمر للناس فقال: أحدثتم لقد عجلتم .. لئن عادت لأخرجن من بين ظهرانيكم) .. أخرجه ابن أبي شيبة والبيهقي ..
وذُكر أن الكوفة رجفت على عهد عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - فقال: " يا أيها الناس إن ربكم يستعتبكم فأعتبوه "، ومعنى يستعتبكم؛ أي يطلب منكم الرجوع عن المعاصي إلى ما يرضيه عنكم.
أيها المسلمون .. إن ما حدث في الأيام الماضية من زلازل وهزات حدثٌ جللٌ وأمرٌ عظيم يبعث على الوجل من الله - تعالى - وعقوبته؛ فضجوا بالاستغفار وتخلصوا من الذنوب والأوزار، وأشفقوا من غضب الجبار، وأظهروا الخشية والتوبة والإنابة والتضرع والفاقة والمسكنة، وأكثروا الدعاء وعظموا الرغبة والرجاء، واصدقوا في اللجأ، ولا تفتروا عن ذكر الله - تعالى- والتذلل له والتقرب إليه والفرار إليه.
يا من إليه جميع الخلق يبتهل وكل حي على رحماه يتكل
أنت المنادى في كل حادثةٍ وأنت ملجأ من ضاقت به الحيل
أنت الغياث لمن سدت مذاهبه أنت الدليل لمن ضلت به السبل
إنا قصدناك والآمال واقعة عليك والكل ملهوف ومبتهل
¥