[ضوابط سؤال اهل العلم]
ـ[إبراهيم الحسني]ــــــــ[06 May 2009, 04:35 م]ـ
ذكرت هذه القيود والتوضيحات في كتابي: "أنس البدوي والحضري تعليق على متن الإمام الأخضري" من ص 75 – 79 وأحببت أن أنقلها هنا للفائدة.
قال المؤلف العلام عبد الرحمن الأخضري – رحمه الله تعالى -: (ولا يحل له أن يفعل فعلا حتى يعلم حكم الله فيه، ويسأل العلماء، ويقتدي بالمتبعين لسنة محمد صلى الله عليه وسلم، الذين يدلون على طاعة الله، ويحذرون من الشيطان).
التعليق: ما زال المؤلف – رحمه الله تعالى – يعدد المحرمات على المكلف، ومن أهمها: أن لا يفعل فعلا حتى يعلم حكم الله فيه عن طريق العلم الشرعي الصحيح، المبني على كتاب الله تعالى، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم بفهم سلف الأمة، وهذا يتطلب من الإنسان أن يطلب العلم؛ ليكون على بصيرة من دينه، ثم إن أشكل عليه شيء من دينه سأل العلماء لقوله تعالى: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)
وعن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال: (خرجنا في سفر فأصاب رجلا منا حجر فشجه في رأسه، ثم احتلم؛ فسأل أصحابه فقال هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ فقالوا: ما نجد لك رخصة، وأنت تقدر على الماء؛ فاغتسل فمات؛ فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك؛ فقال: قتلوه قتلهم الله! ألا سألوا إذ لم يعلموا؛ فإنما شفاء العي السؤال، إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصر أو يعصب - شك موسى - على جرحه خرقة، ثم يمسح عليها ويغسل سائر جسده).
فهذا الحديث صريح في أن الجاهل يجب عليه أن يسأل عما جهل، ولكن يجب أن توضح هذه النقطة – في رأيي – بتوضيحات من أهمها:
التوضيح الأول: يجب على المسلم أن يطلب العلم الشرعي، فلا يتكل على سؤال أهل العلم ويقول قد كفيت من التعب في تحصيل العلوم، وأمرت بسؤال العلماء.
التوضيح الثاني: إذا طلب العلم الشرعي، ثم أشكل عليه شيء في دينه فالواجب عليه يمكن تلخيصه في نقاط:
النقطة الأولى: أن يستفرغ وسعه في تكوين فكرة عن الأمر المشكل عنده، ويكون ذلك ببحثه في مظان أدلة ما أشكل عليه.
الثانية: أن يسأل العلماء، ويطلب منهم أدلة على ما يفتونه به، إذ المسؤول عنه هو حكم الله لا اجتهاد العالم.
الثالثة: أن يختار في سؤاله العلماء الذين هم مظنة الخير والصلاح، أهل العقيدة الصحيحة، والنهج القويم، ولذلك قال المؤلف – رحمه الله تعالى – ويقتدي بالمتبعين لسنة محمد صلى الله عليه وسلم بعد قوله: "ويسأل العلماء".
الرابعة: أن يسأل ثلاثة أو أربعة، وإذا كانوا من المقلدين للمذاهب، فأرى أن ينوعهم حتى يسمع أدلة كل فريق.
الخامسة: أن يعمل بما اتضح له رجحانه من أدلة الذين استفتاهم، دون تعصب لمذهب أحد كائنا من كان.
التوضيح الثالث: يجب على العالم أن يوضح للسائل أدلة المسألة من كتاب الله تعالى، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وإن كانت الفتوى من اجتهاده؛ فيجب عليه إيضاح ذلك للسائل، وهذا لا ينقص من علمه، ولا من مكانته، بل إنه مما يرفعه ويعليه؛ لأنه اتباع لشرع الله، وامتثال لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وإنما أتيت بهذه القيود والتوضيحات لأن كثيرا من العوام يسألون كل من هب ودب، وادعى العلم، فيضلون بسبب ذلك، بل إن من العلماء من هو ضال مضل، فيجب علينا أن لا نتبعه في تحليل الحرام، وتحريم الحلال؛ لأن ذلك ليس ضلالا وجهلا فحسب، وإنما هو شرك بالله تعالى، وعبادة لأولئك العلماء.
فعن عدي بن حاتم رضي الله تعالى عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليب من ذهب؛ فقال يا عدي اطرح عنك هذا الوثن، وسمعته يقرأ في سورة براءة "اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله" قال: (أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئا استحلوه وإذا حرموا عليهم شيئا حرموه)
قال العلامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى عند كلامه على هذا الحديث: (المسألة الخامسة من مسائل هذا الحديث: تغير الأحوال إلى هذه الحالة حتى صار عند الأكثر عبادة الرهبان هي أفضل الأعمال وتسمى الولاية، وعبادة الأحبار هي العلم والفقه، ثم تغير الحال إلى أن عبد من دون الله من ليس من الصالحين، وعبد بالمعنى الثاني من هو من الجاهلين)
¥