تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[رد الشنقيطي على ابن حزم في نفيه للقياس]

ـ[إبراهيم الحسني]ــــــــ[27 May 2009, 11:12 م]ـ

أصل هذه الدراسة كنت قد تقدمت بها كرسالة تخرج من المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية في موريتانيا.

وسوف أنقل منها فقرات ليستفيد منها الجمع ويثروها، وتركت من الدراسة فصول التراجم للشيخين، وفصول مباحث القياس، ودرسة أصل الرد، وبعض الفقرات المتفق عليها بين منكري ومثبتي القياس.

وأبدأ هنا بالفقرة الثانية: قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى:

(واعلم أن العلماء في هذا المحل يعيبون القياس ويذمون الرأي ويقولون إن من قاس فقد اتبع إبليس لأنه أول من رد النصوص بالقياس.

وعن ابن سيرين () رحمه الله: "ما عبدت الشمس إلا بالمقاييس" () ويذكرون في كلام السلف ذم الرأي والقياس).

أقول: إن كلام السلف في ذم القياس كثير منثور في ثنايا كتبهم رحمهم الله تعالى

وأمثلته كثيرة منها:

ما ثبت عن الصديق رضي الله عنه أنه قال أي أرض تقلني أو أي سماء تظلني إن قلت في آية من كتاب الله برأيي أو بما لا أعلم.

ما صح عن الفاروق رضي الله عنه أنه قال اتهموا الرأي على الدين وإن الرأي منا هو الظن والتكلف.

وعن عثمان رضي الله عنه في فتيا أفتى بها إنما كان رأيا رأيته فمن شاء أخذه ومن شاء تركه.

وعن علي رضي الله عنه لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه.

وعن سهل بن حنيف رضي الله عنه أيها الناس اتهموا رأيكم على دينكم.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار.

وعن ابن مسعود رضي الله عنه سأقول فيها بجهد رأيي فإن كان صوابا فمن الله وحده وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان والله ورسوله بريء.

وعن معاذ بن جبل في حديث من يبتدع كلاما ليس من كتاب الله عز وجل ولا من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإياكم وإياه فإنه بدعة وضلالة.

ـ[إبراهيم الحسني]ــــــــ[15 Jun 2009, 06:55 م]ـ

الفقرة الثالثة: قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى:

(ومن أشنع من يحمل على المجتهدين في القياس الظاهرية وبالأخص أبو محمد ابن حزم عفا الله عنا وعنه فإنه حمل على أئمة الهدى رحمهم الله وشنع عليهم تشنيعاً عظيماً وسخر بهم سخرية لا تليق به ولا بهم، وجزم بأن كل من اجتهد في شيء لم يكن منصوصاً عن الله أو سنة نبيه فإنه ضال وأنه مشرع)

هذا إنكار من ابن حزم للاجتهاد بمعناه العام الذي يدخل فيه القياس وغيره، وهو وهم من الشيخ رحمه الله تعالى وسوف تأتي معنا نقول تدل على أن ابن حزم لا ينكر الاجتهاد بمعناه العام.

الفقرة الرابعة: قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى:

(وحمل على الأئمة وسخر من قياساتهم وجاء بقياسات كثيرة للأئمة وسفهها وسخر من أهلها فتارة يسخر من أبي حنيفة رحمه الله وتارة من مالك وتارة من أحمد وتارة من الشافعي ولم يسلم منه أحد منهم في قياساتهم ()).

لاشك أن الإمام ابن حزم سخر من مقلدي الأئمة في كثير من أقوالهم سخرية لا تليق بالعلماء ولكنه مع ذلك كان يحترمهم ويحفظ لهم حقهم من التوقير في مواطن كثيرة من كتبه.

ومما يدل على أن ابن حزم مع كل ما ذكر يحترم الأئمة ويثني عليهم هو ما نقل عنهم من نفيهم للقياس وتحريمهم له - وهذ مدح عنده - ثم يقرر أن ما وجد لهم من قياس بعد نفيهم هذا للقياس فإنه يعتبر اختلافا في قولهم فالواجب عرضه على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، قال الإمام ابن حزم رحمه الله تعالى بعد أن نقل بسنده أثرين عن الإمام أبي حنيفة وثلاثة آثار عن مالك في النهي عن القياس قال: (فهذا أبو حنيفة يقول إنه لا يفقه من لم يترك القياس في مواضع الحاجة إلى تصريف الفقه وهو مجلس القضاء فتبا لكل شيء لا يفقه المرء إلا بتركه وقد ذكرنا أيضا قول مالك آنفا في إبطال القياس () فإن وجد لهذين الرجلين بعد هذا القول منهما قياس فهو اختلاف من قولهما وواجب عرض القولين على القرآن والسنة فلأيهما شهد النص أخذ به والنص شاهد لقول من أبطل القياس على ما قدمنا لا سيما وهذان الرجلان لم يعرفا قط القياس الذي ينصره أصحاب القياس من استخراج العلل ولكن قياسهما كان بمعنى الرأي الذي لم يقطعا على صحته وكذا صدر الطحاوي في اختلاف العلماء بأن أبا حنيفة قال: علمنا هذا رأي فمن أتانا بخير منه أخذناه أو نحو هذا القول) ()

ومما يبين موقف ابن حزم من الأئمة أنه وإن سخر من قياساتهم وبعض آرائهم المخالفة للنصوص من وجهة نظره إلا أنه مع ذلك يثني عليهم ثناء كثيرا في مواطن من كتبه، ويصفهم بالعلم والورع وهم أهل لذلك الوصف وأكثر:

قال رحمه الله تعالى: “ ... والصحيح من ذلك أن أبا حنيفة ومالكاً - رحمهما الله - اجتهدا، وكانا ممن أمر بالاجتهاد، إذ كل مسلم ففرض عليه أن يجتهد في دينه، جرياً على طريق السلف في ترك التقليد، فأجرا فيما أصابا فيه أجرين وأجرا فيما أخطآ فيه أجراً واحداً وسلما من الوزر في ذلك على كل حال ” ().

وقال أيضاً: “ وأما الودع فهو اجتناب الشبهات، ولقد كان أبو حنيفة وأحمد وداود مِنْ هذه المنزلة في الغاية القصوى، ... ، وأما مالك والشافعي، فكانا يأخذان من الأمراء وورث عنهما، واستعملاه وأثريا منه، وهما في ذلك أصوب ممن ترك الأخذ منهم، وما يقدح هذا عندنا في ورعهما أصلاً، ولقد كانوا رحمهم الله في غاية الورع ”

وروى بسنده عن معمر قال قلت لعبيد الله بن عمر أعلمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفاد بالقسامة قال لا قلت فأبو بكر قال لا قلت فعمر قال لا قلت فبم تجترئون على ذلك فسكت قال فقلت ذلك لمالك فقال: لا تضع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحيل ثم ذكر باقي الكلام ..

وعلق أبو محمد على هذا فقال: وهذا هو الحق الذي لا يجوز خلافه وهذا مذهب الأئمة وكل من في قلبه إسلام ثم يقع لهم الخطأ والوهلات التي لم يعصم منها بشر فأتى هؤلاء الأوباش المقلدون فقلدوهم في خطئهم الذي لم ينتبهوا له وعصوهم في الحقيقة التي ذكرنا من أن لا يحمل أمر النبي صلى الله عليه وسلم على الحيل)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير