تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[" إنا لله وإنا إليه راجعون " بقلم فضيلة الشيخ الدكتور صلاح الخالدي]

ـ[محمد السيلاوي]ــــــــ[22 May 2009, 10:54 ص]ـ

قال الله عز وجل:} ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين. الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون. أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون {(البقرة: 155 - 157).

الخطاب في هذه الآيات الحكيمة موجه من الله عز وجل إلى المؤمنين، وتقدم هذه الآيات حقائق قرآنية مطردة بشأن الابتلاء والمصيبة، وتبشر الصابرين على تلك المصيبة، وتدعوهم إلى إعلان الرضا بأمر الله، والتسليم لمشيئته، والإيمان بقدره، واحتساب كل ما يصيبهم من المصائب عنده، ليكونوا راضين مرضيين.

ومعلوم أن الحياة الدنيا تقوم على الابتلاء والامتحان، والإنسان معرض فيها لمجموعات من المصائب والمحن والأكدار والآفات، تصيبه في كل يوم .. وتقرر هذه الآيات الحكيمة هذه الحقيقة والسنة الربانية .. وصدق القائل في تعريفنا بطبيعة هذه الدنيا:

جبلت على كدر وأنت تريدها صفواً من الآفات والأكدار

ومكلف الأيام غير طباعها متطلب في الماء جذوة نار

والمؤمن الواعي البصير يحسن فهم هذه الطبيعة للدنيا، ويحسن التعامل معها، ويحسن ترتيب حياته وفقها، ويحسن استقبال مصائب الحياة ومشقاتها وشدائدها وأكدارها و «يوطن» نفسه على مناجاتها.

إن هذا المؤمن الواعي البصير، المتصل بالله، والمتفاعل مع القرآن، ينظر لكل ما يصيبه من مصائب وأكدار الدنيا على أنها وفق حكمة الله وإرادته، ونتيجة لقدره وقضائه .. وهو يوقن أن الإيمان بقدر الله خير وشره من أركان الإيمان، وبذلك يحسن فهم واستيعاب ما يصيبه، والتكيف معه، ويصبر على صعوبة ومشقة الابتلاء، ويحتسب ألمه وحزنه وخسارته المادية عند الله، ويبتغي بذلك الأجر الجزيل الجميل من الله. وقد وجهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى التعامل مع الأحداث والمفاجآت على أساس التوازن الدقيق بين مقام الصبر ومقام الشكر، لينال الأجر على المقامين .. قال صلى الله عليه وسلم: «عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر؛ فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر؛ فكان خيراً له».

أيها الأعزاء من الأبناء والبنات والإخوان والأخوات: عندما يصاب أحدكم بمصيبة أدعوه إلى تذكر وفهم واستحضار هذا الحديث الشريف، وإلى تذكر وفهم واستحضار الآيات السابقة من سورة البقرة، وأدعوه إلى تذكر ومعايشة الحقائق الإيمانية التالية: اليقين الجازم بأنه قدر من الله، لا يمكن دفعه أو رده .. اليقين الجازم بأن الله حكيم فيما أصابه وابتلاه به .. الأخذ بالأسباب المادية لمواجهة تلك المصيبة القدرية، التي جعلها الله أسباباً، ودعانا إلى الأخذ بها .. الرضا بقدر الله، والتسليم لأمره .. اليقين بأن الله أراد له الخير، ورؤية المنحة من خلال تلك المحنة .. الصبر على آلام وأحزان تلك المحنة .. احتساب ذلك عند الله، وطلب الأجر والثواب منه .. اليقين بأن الله الحكيم ابتلاه بتلك المصيبة ليكفر له سيئاته، ويطهره من ذنوبه، ويرفع منزلته عنده .. وأخيراً ينطلق قلبه ولسانه قائلاً:} إنا لله وإنا إليه راجعون {بشرط أن يدرك معنى هذه الجملة القرآنية التي جعلها الله بلسماً لأصحاب المصائب وسلوى لقلوبهم المكلومة، وأن يعيش حقيقتها معايشة حقيقية عملية، ولا يجوز أن يحرك لسانه بكلماتها وحروفها بدون فهم ووعي وبصيرة وتفاعل ومعايشة.

} إنا لله وإنا إليه راجعون {جملة قرآنية حكيمة، وعلاج قرآني شاف، وبلسم قرآني «رششته» على آلامي وأحزاني في الأيام الماضية، وشعرت به يأسو تلك الجراح النازفة، ويعمقها ويطهرها من وساوس الشيطان، ويسكنها بالسكينة النفسية المطمئنة ..

} إنا لله وإنا إليه راجعون {حقيقة قرآنية إيمانية .. أعيشها وأنا أنطق بها كل يوم، وأتعامل مع ما يبتليني الله به على أساسها، وأخرج من ذلك بمزيد من الإيمان والرضا والتسليم والاحتساب والصبر، وابتغاء الأجر والثواب.

} إنا لله وإنا إليه راجعون {لا أدري كم مرة نطقت بها في الأيام الماضية، وتعاملت بها مع ابتلاء الله لي بأخذ ولدي «أسامة» رحمه الله.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير