[حجج داحضة في الزعم باعتبار الشرع للموت الدماغي]
ـ[د. أبو بكر خليل]ــــــــ[13 Jun 2009, 12:20 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على خاتم النبيين و المرسلين، سيدنا محمدٍ النبيّ الأمين، و على آله و صحبه، و مَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين
أمّا بعد
يأتي القول بالموت الدماغي – و هو تنزيل الداء المسمى بموت المخ منزلة الموت المعتبر، مع وجود العديد من علامات الحياة المعهودة – كحلقة من حلقات تغيير المفاهيم، التي يجري الترويج لها باستمرار و إصرار يصل إلى حدّ الضغط و الإلحاح.
و يحسُن بنا قبل التعرض لبعض القرارات التي ألبَسَت ثوبَ المشروعية للإماتة بداء موت المخ، أن نورِد واحداً من القرارات الفقهية القاضية بحياة هؤلاء المرضَى، و هو قرار المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي – في دورته العاشرة، سنة 1987 – (بشأن موضوع تقرير حصول الوفاة و رفع أجهزة الإنعاش من جسم الإنسان)، و نَصّه: " المريض الذي رُكبت على جسمه أجهزة الإنعاش يجوز رفعها، إذا تعطلت جميع وظائف دماغه تعطلا نهائيا، و قررت لجنة من ثلاثة أطباء اختصاصيين خبراء، أن التعطل لا رجعة فيه، و إن كان القلب و التنفس لا يزالان يعملان آليا، بفعل الأجهزة المركبة. لكن لا يُحكَم بموته شرعاً، إلاّ إذا توقف التنفس و القلب، توقفا تاما بعد رفع هذه الأجهزة.
و صلى الله على سيدنا محمد، و على آله و صحبه و سلم تسليما كثيرا، و الحمد لله رب العالمين ". أهـ[1]
فهذا القرار يَنُصّ تصريحاً على أن المريض الذي يُطلق عليه " الميِّت دماغيا " - بموت كل الدماغ، و هو من تعطلت جميع وظائف دماغه تعطلا نهائيا لا رجعة فيه – لا يُحكَم بموته شرعاً.
و يلزم منه الحكم بحياته شرعا، إلى أن يتوقف التنفس و القلب توقفا تاما، بعد رفع أجهزة الإنعاش.
و هذا القرار الفقهي المجمَعي ينفي اعتبار الشرع للموت الدماغي؛ بمعنى أن الشرع لا يعتبر الموت الدماغي موتاً حقيقيا، فلا يترتب عليه أي حكم من أحكام الموت المقررة في الشرع.
و لا تُعَدّ القرارات الأخرى المخالفة لهذا القرار مِن قبيل الاختلاف الفقهي المعتبر؛ لعدم استنادها إلى دليلٍ شرعي صحيح، و قيامها على دعاوى غير صحيحة، طباً و حِسّاً. و سيأتي بيانه.
و قد زَعم الذين ابتدعوا أو انخدعوا بمصطلح (مَوت المُخّ أو موت الدماغ) – الذي هو في حقيقته تَوقُف أو تعطُلّ في وظائفه [2] – أنّ الأشخاص المُصابين بذلك الداء لن يبرَأوا منه أبدا، و أنّ مَآلَهم إلى المَوْت القريب حَتماً، و لِذا ينبغي – بِزَعمهم - التعجيل باقتطاع و انتزاع قلوبهم و أعضائهم السليمة الحيَّة - قبل أن تَتلف و تَبْلَى – لنقلها و زرعها في أجساد آخرين مَرضَى!
و في ذلك يقول قائلهم: (نحن نعلم تماماً أن الإنسان بلا وظيفة للمخ ليس مفيدا أو مضراً لعدم وجود المركز المسيطر على الأجهزة، فإذا فشلتْ وظيفةُ المخ بالقطع واليقين بعد ساعة أو بعد خمس دقائق أو بعد يوم أو بعد أسبوع فالنهاية حتمية ومعروفة، وإذا أراد البعض أن يستفيد من هذا الوضع بأن يقول: لماذا لا نستفيد بعضو؟ .... إن هذا هو العطاء الذي يمكن أن تنقذ به الآخرين). أهـ[3]
و يقول آخر في بحثه المقدّم إلى ندوة " التعريف الطبي للموت "، في التغيّرات التي تتبع موت جذع المخ: (ولتوضيح هذا المعنى لدى القارىء نشبِّه جذع المخ بجذع الشجرة فإذا تلف جذع الشجرة تماما فإننا لا نتوقع أن تستمر الساق والأفرع والثمار في الحياة طويلا بعد ذلك، ولكن أعضاء الجسم الأخرى يمكنها القيام بوظائفها لفترة من الزمن ويمكن نقلها للآخرين، إلا أن فرص نجاح جراحة زراعة العضو تكون في أحسن حالاتها إذا نقل العضو فور موت جذع المخ مباشرة وقبل أن تدب فيه أية درجة من درجات التحلل بقدر الإمكان، وذلك بالقيام بالتشخيص المبكر لموت جذع المخ). [4]
¥