تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[اختلاف الأدوار الاجتماعية بين العالم والداعية]

ـ[عبدالرحمن الحاج]ــــــــ[07 Jun 2009, 01:03 ص]ـ

العالم والداعية والرمز الديني: اختلاف الأدوار الاجتماعية

عبد الرحمن الحاج

صحيفة الغد (الأردنية)

على عاتق الوعي الهامشي بالأدوار الاجتماعية للمعرفة، الدينية منها على وجه الخصوص، يقع الكثير من عبء الانقسامات والصراعات المذهبية، وانحسار التسامح، والتصاعد المستمر للتطرف الديني .... الخ.

يشير مفهوم "الدور" إلى عمل أو وظيفة أو "موقع" يقوم به بعض أفراد المجتمع، يفرض أنماطا سلوكية محددة يتوقعها المجتمع عادة من القائمين به، ويتحدد على أساسها موقعهم الاجتماعي. وبغض النظر عن تنوع هذه الأدوار فإن ثمة أدوارا تتعلق بالشأن العام تتسم بحساسية بالغة لخطورتها وأهميتها في حياة المجتمعات الإسلامية، وهي مثار التباس بسبب تداخلها وضعف الوعي بتمييز الحدود الفاصلة فيما بينها، ومنها "العالم"، و"الداعية" و"المرجع" (بتعبير شيعي) أو "الرمز" الديني.

نشير ابتداء إلى أن هذه الأدوار الاجتماعية لم تحظ داخل الفكر العربي والإسلامي بعناية من الدرس والبحث تستحق الذكر، وقد يعود ذلك إلى التأخر النسبي لتبلور مفاهيم علم الاجتماع الحديث ابتداء، والتأخر في ابتكار هذا المفهوم الذي لم يظهر حتى عام 1934م عند عالم الاجتماع "جورج هيربرت ميد"، بالرغم من الخطورة التي تترتب على فقدان الحدود الواضحة بين الأدوار، خصوصا عندما تتعلق بالشأن العام وتمس كل المجتمع. ذلك أن مفهوم "الدور" يقوم بتوجيه الأفراد في كيفية تصرفهم وإنجاز مسؤولياتهم.

العالم .. ينشئ المعرفة

المهمة الأساسية للعلم هي البحث عن الحقائق والكشف عنها، وهي مهمة لا تتحقق إلا بالامتحان المستمر للمعرفة البشرية، وهذا ما يفرض أن يكون في سمة العالم القدرة على "النقد"، ذلك أنه بغير هذا الدأب المستمر في كشف الخطأ لن يكون بإمكان الإنسان الاقتراب من الحقيقة. وهذا النقد ينبني منطقياً على إعادة النظر في جهود من سبق، وطرح الأسئلة عليها والتشكك فيها. ومن دون هذا "الشك" العلمي لن يستطيع العالم إدراك العيوب المحتملة، سواء كان ذلك متعلقا بآرائه السابقة أم بآراء غيره ممن سبقوه في خصوص الحقل العلمي المشترك بينهما.

وعندما يقدم العالم وجهة نظر ما فإنه لا يمكنه أن يقدمها إلا باعتبارها "نسبية"، أي (صحيحة تحتمل الخطأ) على نحو ما عبر الإمام الشافعي رحمه الله، وإلا فإنه يعود على نفسه بالنقض إذ انطلق لنقد غيره وامتحان رأيه من أرضية احتمال الخطأ. هذا فضلا عن أن النسبية تعني -فيما تعنيه- اعترافا بأن الحق لا يعلمه إلا الله أنه كذلك، وأن الطبيعة الإنسانية تبقى عاجزة دوما عن إدراك معظم الحقائق، وإنما هي تتلمسها وتقترب منها أو تبتعد عنها بمقدار دقتها وعمقها في النقد.

وإذا كان ذلك فإن الصرامة العلمية تقتضي الاعتماد على "اصطلاحات" تحدد - بـ "دقة" وبمفاهيم وألفاظ متفق عليها- ما يريد قوله وما يعنيه. لأجل هذا تتسم اللغة العلمية بطبيعتها الجافة وكثافتها الاصطلاحية، وتبتعد دوما عن التعبيرات البلاغية واللغة الشعرية والأدبية الجمالية؛ لأنها بذلك تفقد قدرتها على الضبط. (كثيرا ما يردد العلماء عبارة "التبسيط المخل"، ويردد المتصوفة: "كلامنا حرام على غيرنا").

ويتحدد في الخطاب العلمي الاختصاصي المخاطب باعتباره مختصا أو مقتربا من الاختصاص وملما بأساسياته؛ إذ الغاية من الخطاب هي توصيل نتائج الأبحاث إلى أهل الدراية والخبرة، وذلك يعني أن المخاطب بالنسبة للعلم هم "الأقران"، وبالتالي فإن الخطاب العلمي هو بالضرورة "خطاب نخبوي" بامتياز، مقتصر على فئة محدودة من الناس. (خاطبوا الناس على قدر عقولهم، أتحبون أن يكذب الله ورسوله؟!)

زد على ذلك أن العدة المعرفية -التي تمثل أدوات العالم في البحث العلمي سواء الحسي التجريبي أو النظري- ذات طبيعة نظرية تجريدية، مهما كان الموضوع العلمي الذي تشتغل فيه، خصوصا في المناهج التي لا يستغني عنها علم، والمناهج كما هو معلوم للكثيرين شيء "تجريدي" بحت. وعملية الاستنتاج هي أيضا عملية معقدة ناتجة عن التجريد المنهجي ومتولدة منه؛ مما يقتضي القول إن العالم -بوصفه باحثا- لا يتوقف عن النزوع إلى التجريد.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير