[حديث في الحب والجمال]
ـ[محمد خليل الزروق]ــــــــ[23 Jun 2009, 09:36 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
1 - لن يخدعني بَهْرَج الدنيا عن الحبيب الأول، فهو الجميل الذي يهب الجمال، ويحب الجمال، وهو الذي وهب لي هذا القلب، وعلَّم هذا القلبَ الحب. يغيب عن البصر، ولا يغيب عن البصائر. أرى جماله في زهرة، أو قطرة، أو نجمة، أو موجة، أو ورقة، أو ثمرة، وأنشدُ مع الشاعر القديم:
تراه إن غاب عني كلُّ جارحة * في كل معنًى لطيفٍ رائقٍ بَهِجِ
في نغمة العود والناي الرخيم إذا * تألَّفا بين ألحان من الهزَج
وفي مسارح غزلان الخمائل، في * بَرْد الأصائل، والإصباح في البلَج
وفي مساقط أنداء الغمام على * بساط نَوْر من الأزهار مُنْتَسِج
وفي مساحب أذيال النسيم إذا * أهدى إلي سُحيرًا أطيبَ الأرَج
لم أدر ما غربة الأوطان وهو معي * وخاطري أين كنا غير منزعج
فالدار داري وحِبِّي حاضر، ومتى * بدا فمُنْعَرَج الجرعاء مُنْعَرَجي 2 - أحس بحبه لي، وحدَبه علي، في كل يوم من أيام عمري، يغمرني بحنانه، وجميل إحسانه، من قرني إلى قدمي.
3 - أتطعَّم حلاوة كلامه في كل مدة أو غنة، وفي كل فاصلة أو وقفة، وفي كل كلمة أو جملة، في ميزانه وإيقاعه، وفي قراءته واستماعه، وفي بدئه وارتجاعه. له في كل مرة طعم، وفي كل يوم فيض، وفي كل نوبة رشحة، وفي كل رَدّة نضحة. يأخذ ببصري إلى زينة السماء بمصابيحها، وزينة الأرض بنباتها.
4 - وإن بيني وبين حبيبي رسولاً هو أحسن الناس وجهًا، وأكرمهم خلُقًا، لا يخبر إلا بالصدق، ولا يدعو إلا إلى الحق، يخبرني بحبه، ويرغبني في قربه، فحبه من حبه، ورضاه من رضاه. هو الجمال البشري في صورة، والكمال الإنساني في سيرة، والوحي السماوي في إنسان.
5 - كم في هذه الدنيا من القبح المفتقر إلى التجميل، يستغرق الأعمار والأفكار! فلا عمل لي في هذه الحياة إلا التجمُّل والتجميل، فحيثما وجدت قبحًا أسرعت إلى رسائل حبيبي في كونه وكلامه، فأفضت من الماء الطهور على نفسي، وعلى غيري، وتطيبت بطيبه، وتزينت بزينته. وكيف تغلبني جيوش القبح والكره، وأنا ألقاه في كل يوم مرات متطيبًا متزينًا، ومناجيًا سائلاً، فيمدني بمدده، ويُرفقني بجنده؟!
6 - هل تصحبني في رحلتي إليه، وتكون معي في القدوم عليه، وتعينني على مشاق الطريق، فتذكّرني إذا نسيت، وتنبهني إذا غفلت، وتشد من أزري إذا ضعفت، ولك مني مثل هذا وأكثر منه؟ فلنتعاطَ كأس حبه بيننا، فإنني أحب فيه، وأحب له، وأشتقّ كل حب من حبه.
7 - قل، أو اكتب، حدثني من أنت؟ وماذا تريد؟ وماذا رأيت؟ وماذا سمعت؟ صف لي الخير والشر، وقص علي قصص البر والعقوق، فإني أتطلع إلى أن أشعر بقلبك، وأفكر بعقلك، وأرى بعينيك، وأسمع بأذنيك. ولكن - بالله - لا تدْعُني ببراعتك وبلاغتك إلى قبيح!
8 - دع كل شيء كما خرج من يده، فجماله ببقائه على صورته التي صوره بها. اجبر الكسر، وداو الجرح، ورد كل شيء إلى أصله، ولكن - بالله - لا تدَّعِ أنك أقدر على تجميل خلقه منه!
9 - ما أجملك! ولكنك لست لي، ولن أشوه جمالك بقبح عملي، ولن أقابل إحسانه بإساءتي، ولن أستعمل نعمته في سخطه، ولا فضله في كفرانه.
10 - إن نفسي في هذه الجنة مطمئنة، فلن تنزل من عز الموالفة إلى ذل المخالفة، ولن تخرج من راحة السكينة إلى عَنَت الاضطراب، ولن تهبط من سماء الصبر إلى أرض العذاب، ولن تترك سورة النور إلى التماع السراب.
11 - أنا موقن بأنه موقوت، يدور بدوران أرضها وأفلاكها، وسيذوِي ويذبُل، أو يَحُولُ شيئًا دميمًا. وهو اليوم مَحُوطٌ بالكدَر والتنغيص. سأحزن إن رحلت عني، ولكن سيكون أسفي قليلاً؛ لأني كنت أعلم أنه لا بد أن أرحل عنك، أو أن ترحل عني.
12 - ما أجملك إذ تكمّل جمالَ الْخَلْق، بحسن التخلُّق، وتتمِّم بديع صنعه، بحكيم شرعه! فإذا ذهب الأول بقي الآخر، وإذا ذوى الظاهر قوي الباطن.
13 - جميلُ خلُقك حبَّب إلي خَلْقك، ورأيت وسامتك في حسن سَمْتك، وتبينت وضاءة وجهك في ضوء أعمالك.
14 - يا أيتها الزهرة البهيجة، هل تقبلين أن تكوني في جنتي، وأن تلوني حياتي بألوانك، وأن تمسحي أوصابي بحنانك، وأن تسيري معي في هذا الطريق، فنغرس في كل وقفة نبتة، وفي كل عطفة زهرة؟
15 - لماذا تعوَّد الناس أن يقولوا كلما راقهم جمال شيء: الله .. !؟