تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[إلى مربي جيل الصحوة الأستاذ الدكتور صلاح الخالدي]

ـ[محمد السيلاوي]ــــــــ[19 May 2009, 06:43 م]ـ

[إلى مربي جيل الصحوة الأستاذ الدكتور صلاح الخالدي]

لا تحزن ... كلنا لك «أسامة»

بقلم الدكتور معز محمود

هي سنة الله التي ليس لها تبديل وقدره الذي لا مفر منه، وهي الأقدار بحلوها ومرها تجوب بالإنسان بين ساحات الرخاء والشدة وتسير به بين ساعات العسر واليسر. وسنة الله في الابتلاء أظهر ما تكون بحق العلماء والصالحين، فهم ورثة الأنبياء وملح الأرض وحلية الزمان، وهم الضياء حين يخفت نور الحق وتتكالب أسباب العتمة أمام السائرين إلى طريق الله، فكانت حكمة الله في ابتلائهم لاختبار صدقهم وإظهار مدى تمسكهم بما يقولون وبما يعلمون الناس به، وحتى تكون كلماتهم حية؛ تحيى في نفوس الناس وترسم سلوكهم وتقوم أخلاقهم في سوق الحياة، لا أن تكون مجرد كلمات عابرة لا تبني سلوكاً ولا ترسم منهجاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الصالحون ثم أدناهم فأدناهم".

ولعل الابتلاء بفقد الأولاد أشد ما يكون على النفس، فكيف يكون حال من فقد فلذة كبده وروح قلبه وأمله في الحياة، ومن كان يرقبه لحظة لحظة ويرمق فيه الأمل يوماً بيوم. فكان أن ابتلي إبراهيم بولده إسماعيل عليهما السلام، وكان أن ابتلي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بولده إبراهيم، فما كان منهم إلا الصدق مع الله ومع النفس، وكان الصبر الجميل.

ولكن هذا الابتلاء بفقد الأولاد يختلف عند العلماء والمربين عن غيرهم، فحدود الأبوة والبنوة لديهم لا تقف عن حدود الدم ووشائج الرحم، فهم لهم أبناء كثر ربوهم من دون أن يرونهم وعلموهم من غير أن يلتقوا بهم، ونصبوا أنفسهم آباءً لهم، وهم لا يشعرون. ولئن كانت حدود تربية الآباء لأبنائهم داخل أسوار البيت وحجرات المنزل، فإن حدود تربية العلماء تتجاوز حدود الجدر والأسوار؛ لتبلغ آفاق المكان والزمان ولتجوب أصقاع الأرض، حيث طافت كتبك وبلغت كلماتك التي حملها طلبة علمك الذين أتوك من كل مكان. فأنت يا شيخنا المربي قد ربيت مع أسامة جيلاً من أبناء الصحوة في هذا الزمان، ممن حملوا راية الدين ورفعوا علم التوحيد حين تخلى عنه وتقاعس عن حمله الكثيرون، وممن عشقوا كتاب الله وأحبوا دينه وجعلوا من أنفسهم جنوداً عاملين لخدمة هذا الدين العظيم، وحين هاجت الشهوات وماجت في نفوس الكثير من شباب الأمة وتشعبت بهم السبل وتفرقت بهم الطرق وتقاذفتهم رياح التغريب والتغرير، فضلوا الطريق. فكانت كتبكم نوراً يضيء لهم الطريق ومصباحاً لهم في وسط هذا الليل البهيم المدلهم، وكانت كلماتكم العذبة الرقراقة كالغيث ينزل على قلوبهم، فتحيي فيها الأمل بنصرة هذا الدين وعلو شأن هذه الدعوة المباركة، وأن الله ناصر دينه ورافع كلمته وغالب على أمره "ولكن أكثر الناس لا يعلمون".

فكم عشنا وعاش أبناؤكم معك يا والدنا في ظلال صاحب الظلال "الشهيد الحي"، وكم ارتقت نفوسنا في مدارج الرقي عند قراءة "الخطة البراقة"، وكم استنار فكرنا عند قراءة "الثوابت والمتغيرات" و"كيف نتعامل مع القرآن"، ولكم ازداد تعلقنا بقضية فلسطين وتأصلت في فكرنا ووجداننا، عندما قرأنا كتابك "الحقائق القرآنية حول القضية الفلسطينية"، وكم نهلنا من أدبكم وعلمكم عندما أكرمنا الله بحضور درس الفجر.

وكم وكم مما لا نعده، ولا نحصيه من كلماتكم العذبة وعلمكم الغزير وأدبكم الجم وتواضعكم الذي غرس في نفوسنا ونفوس الكثيرين من أبنائكم حب العلماء وهيبة الصالحين وجلال قدر أهل العلم وحملة القرآن. فلا تحزن شيخنا واصبر كما علمتنا الصبر، وتذكر أنك وإن فقدت "أسامة" فقد ربيت دونه ألفاً وألف "أسامة"، وأن الأب ليس ذاك الذي يطعم ويسقي ويكسي فحسب، ولكن الأب من يعلم ويربي ويغرس القيم ويقوم السلوك ويبصر بحقائق الأمور، ويجلي الأفهام وينير الدروب.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير