[" إن تطيعوا الذين كفروا " بقلم فضيلة الدكتور صلاح الخالدي]
ـ[محمد السيلاوي]ــــــــ[05 Jun 2009, 02:15 م]ـ
قال الله عز وجل:} يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقبوا خاسرين .. {(آل عمران:149).
يحذر الله في هاتين الآيتين المؤمنين من طاعة الكافرين، ويبين لهم أن الكافرين لا يريدون بهم الخير، وإنما يهدفون إلى إعادتهم إلى الوراء، وردتهم عن دينهم.
} يا أيها الذين آمنوا {نادى الله المومنين بأحب وصف إلى قلوبهم وأرواحهم، وصف الإيمان، وهو شهادة من الله لهم بأنهم حققوا الإيمان، وهذه الشهادة عظيمة عندهم، عزيزة على قلوبهم، فشيء عظيم أن يشهد الله لمؤمن بالإيمان، لأن الله هو الأعظم والأصدق شهادة، سبحانه وتعالى.
ونداؤه لهم سبحانه بالإيمان إيقاظ للإيمان في قلوبهم، وإعداد وتهيئة لكيانهم، وتجهيزه وإحياؤه استعداداً لتلقي التوجيه الرباني بعد هذا الخطاب التربوي التنشيطي والاصل في المؤمن أن يحقق هذا المعنى وهو يقف أمام كل آية حكيمة تفتح خطابها له بجملة:} يا أيها الذين آمنوا { .. وكم كان الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود رضي الله عنه مربياً رائعاً، عندما قال لكل واحد من المؤمنين: «إذا سمعت الله يقول في القرآن:} يا أيها الذين آمنوا { .. فأرعها سمعك، فإن بعدها أمر تلتزم به، أو نهي تتوقف عنه، أو توجيه تأخذ به» ولو وقفنا مع هذا الخطاب التربوي وتدبرناه، وأخذنا بتوجيه ابن مسعود رضي الله عنه لتغير الكثير في حياتنا!!
جملة} إن تطيعوا الذين كفروا {فعل الشرط. وجملة:} يردوكم على أعقابكم {جواب الشرط، وجملة:} فتنقلبوا خاسرين {معطوفة على جواب الشرط.
والمعنى: طاعتكم للكافرين، وتنفيذكم لأوامرهم وتوصياتهم يؤدي إلى ارتدادكم على أعقابكم، وتخليكم عن الحق، وسيركم مع الباطل، وفي هذا خسارة كبيرة لكم في كل الجوانب ..
} إن تطيعوا الذين كفروا .. {: تصنف الآية الحكيمة الناس تصنيفاً دينياً، وفي هذا دعوة إلى اعتماد التصنيف الديني للناس، لأنه وحده التصنيف الصادق الصحيح، وإلغاء أسس التصنيف الأخرى، لأنها كاذبة وظالمة وخادعة، كالتصنيف على أساس اللون أو الجنس أو النسب أو المال أو الجاه أو الملك أو العلم أو الزمان أو المكان!!
الناس فريقان لا ثالث لهما:} الذين آمنوا {: وهم الذين اتبعوا الرسول الخاتم محمداً صلى الله عليه وسلم، وكانوا مسلمين مؤمنين صالحين، وهم المقبولون عند الله سبحانه.
و:} الذين كفروا {: وهم من لم يكونوا مع الفريق الأول، أي: لم يدخلوا في الإسلام، ولم يصدقوا النبي محمداً صلى الله عليه وسلم، على اختلاف أديانهم وأزمانهم وبلدانهم، فقد يكونون يهوداً أو نصارى أو بوذيين أو هندوساً أو لا دينيين أو ملحدين أو منافقين، كل هؤلاء كفار، على اختلاف الزمان والمكان، لأن المؤمن هو المتبع لمحمد صلى الله عليه وسلم، وكل من لم يكن كذلك فهو كافر!! هذه بدهية مقررة وحقيقة قرآنية قاطعة!!
ولا يجوز للمؤمنين أن يطيعوا الكافرين، ومعلوم أن الطاعة تقوم على ثلاثة أسس:
الأول: شخص يجعل لنفسه زعامة وولاية وقيادة وأهلية لتوجيه الأوامر والنواهي.
الثاني: شخص تابع للشخص الأول، وخاضع لتوجيهه، وعنده استعداد لتلقي أوامره ونواهيه.
الثالث: الصلة بين الشخصين تقوم على أمر الأول للثاني وسيادته عليه، وتبعية الثاني للأول، وعبوديته له، وتنفيذه لأوامره.
وهذه الأسس الثلاثة تشكل جريمة عظمى في طاعة المؤمنين للكافرين، إذ كيف يرضى المؤمنون أن يتلقوا أوامر وتوصيات وتوجيهات الكافرين؟ وكيف يرضى المؤمنون أن يكونوا تابعين خاضعين عبيداً للكافرين؟ وكيف يجعلون الكافرين أسياداً لهم متحكمين فيهم؟ إن هذه التبعية الذليلة من المؤمنين للكافرين تتعارض مع مقررات الإيمان والقرآن والإسلام، إذ كيف يخضع المؤمن البصير الحي العالم للكافر الأعمى الميت الجاهل؟!
يريد القرآن أن ينفخ في قلوب وأرواح المؤمنين معاني العزة والكرامة، والتفرد والريادة، والأستاذية والقيادة ليكونوا أعزة وليسوا أذلة وأسياداً وليسوا عبيداً ..
} يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين {: طاعة المؤمنين للكافرين مرفوضة منطقاً وعقلاً، وديناً وشرعاً، وفطرة وتفسيراً، ولو لم تؤد إلى هذه النتيجة، فكيف يكون رفضها إذا أدت إلى هذه النتيجة الحتمية، التي يقررها جواب الشرط:} يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين {؟ إذا أنت أطعت أوامر عدوك الكافر، التي ليست لمصلحتك، والتي تؤدي بك إلى الارتداد والتخلف والنكوص، والخسارة الحتمية، فماذا يقال عنك؟ وأين يكون عقلك؟
توقفنا الآية الحكيمة على هدف الكفار منا: إنهم حريصون على ردتنا على أعقابنا، وإعادتنا إلى الوراء، وإيقاعنا في الخسارة والتخلف، والقضاء على قوتنا وسيادتنا، وإضعافنا وإذلالنا، وتحويلنا إلى عبيد تابعين لهم، نسير خلفهم بدون وعي أو علم أو قوة أو دين أو استقامة.
وهم بتدخلهم الدائم في أمورنا، وأطماعهم المستمرة في أوطاننا، وزياراتهم المتكررة لبلداننا، وإرسال وفودهم ولجانهم وخبرائهم ومستشاريهم إلى حكوماتنا، واستدعائهم المستمر لمسؤولينا وزعمائنا، وإعدادهم لخططهم وبرامجهم وأوراقهم وتوصياتهم لنا .. هم في هذا كله يهدفون إلى تحقيق أهدافهم الخبيثة ضدنا ..
أحبابنا من إخواننا وأخواتنا وأبنائنا وبناتنا: ندعوكم إلى استحضار هذه الآية الحكيمة من سورة آل عمران، وحسن فهمها وتدبرها، وحسن الوقوف أمام حقائقها وتوجيهاتها، والنظر إلى أوضاعنا السيئة في عالمنا العربي والإسلامي من خلالها، وحسن «إسقاطها» على ارتباط الزعماء والحكام في بلاد المسلمين بأولئك الذين كفروا!!
اليهود والأمريكان وسائر الكفار يريدون إفسادنا وخسارتنا، وتخريب بيوتنا وأوطاننا، واستعباد أمتنا! ويصدرون أوامرهم لتحقيق ذلك!! والمصيبة الكبرى في زعماء ومسؤولين، ينفذون أوامر أولئك الأعداء، ويكونون سبباً في وصول تدهورنا وخسارتنا إلى ما وصلت إليه!!