[درس من الموسوعة الفقهية (2)]
ـ[أبو الخير صلاح كرنبه]ــــــــ[20 Jun 2009, 06:56 ص]ـ
أ - الكبرياء:
2 - قال الراغب الأصفهانيّ: الكبرياء هي الترفّع عن الانقياد، وذلك لا يستحقّه غير الله، قال تعالى: {وَلَهُ الْكِبْرِيَاء فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}، وفي الحديث: «قال الله: الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحداً منهما قذفته في النار» بينما يرى أبو هلال العسكريّ أنّ الكبرياء هي العزّ والملك، وليست من الكبر في شيء، قال تعالى: {وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِي الأَرْضِ}، يعني: الملك والسّلطان والعزة.
ب - العُجْب:
3 - العجب بالشيء الزهو وكثرة السّرور به، وفلان معجب بنفسه: إذا كان مسروراً بخصالها، وليس العجب من الكبر في شيء، قال عليّ بن عيسى: العجب عقد النفس على فضيلة لها ينبغي أن يتعجب منها وليست هي لها، ولكنّه يدعو إلى الكبر ; لأنّه أحد أسبابه. ويرى ابن حجر الهيتميّ: أنّ العُجب هو استعظام النّعمة والرّكون إليها مع نسيان إضافتها إلى الله تعالى، ويذكر أبو حامد الغزاليّ - ويوافقه ابن قيّم الجوزية - في ذلك فرقاً بين الكبر والعجب فيقول: العجب لا يستدعي غير المعجب، حتى لو قدّر أن يخلق الإنسان وحده تصوّر أن يكون معجباً، ولا يتصور أن يكون متكبّراً إلا أن يكون معه غيره، وهو يرى نفسه فوقه.
ج - الجُبْر:
4 - الجبر هو التعاظم مع القهر، والجبروت أبلغ من الجبر، لأنّ الواو والتاء للمبالغة، كالملك والملكوت، قال النّوويّ: الجبروت هو الكبر والتعظّم والارتفاع والقهر، والجبار هو المتكبّر الشرس سيّئ الخلق، ويقال أيضاً للقاهر غيرَه: جبار، كما قال تعالى: {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ}، ونقل ابن كثير عن أبي عمران الجونيّ وقتادة أنّهما قالا: آية الجبابرة القتل بغير حقّ.
ويقول الراغب الأصفهانيّ: الجبار هو من يجبر نقيصته بادّعاء منزلة من التعالي لا يستحقّها، كقوله تعالى: {وَاسْتَفْتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ}.
والكبر أعمّ من الجبر.
الحكم التكليفيّ:
5 - اتفق العلماء على أنّ الكبر من الكبائر، ذكر ذلك الذهبيّ.
وذكر القرطبيّ في تفسير قوله تعالى: {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ}، قال: من ضرب بنعله من الرّجال، إن فعل ذلك تعجّباً حرم، فإنّ العجب كبيرة، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنّة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر»، وقوله صلى الله عليه وسلم: «مثقال ذرة» يشمل القليل والكثير منه، فلا يرخص بالكبر مهما كان قليلاً، قال الشوكانيّ: والحديث يدلّ على أنّ الكبر مانع من دخول الجنّة وإن بلغ من القلة إلى الغاية.
وإذا كان الكبر هو الصّفة النفسية، وهي قصد الاستعلاء على الغير في مكرمة من المكارم، فإنّ هذا الكبر - أي: التكبّر - إما أن يحتاج إليه، أو لا يحتاج إليه.
فإن احتيج إليه كان محموداً، كالتكبّر على الظلمة، وعلى أعداء الله من الكفار المحاربين، ونحوهم، ولذلك جاز الاختيال في الحرب إرهاباً للعدوّ.
وإن لم يحتج إليه، فإنّه إما أن ترافقه نية التكبّر، أو لا ترافقه نية التكبّر، فإن رافقته نية التكبّر فهو كبيرة من الكبائر.
وإن لم ترافقه نية التكبّر، فإنّ الفعل إما أن يكون من شعار المتكبّرين، أو لا يكون من شعار المتكبّرين.
فإن كان من شعار المتكبّرين كتصعير الخدّ، والاختيال في المشي، وإسبال الإزار، ونحو ذلك، كان مكروهاً.
وإن لم يكن من شعار المتكبّرين، كالأكل متكئاً، وتشمير الأكمام، ونحو ذلك لم يكن به بأس، قال في الفتاوى الهندية: والحاصل أنّ كل ما كان على وجه التكبّر يكره، وإن فعل لحاجة أو ضرورة لا - أي: لا يكره -، على هذا فإنّ من لبس الثّياب الجميلة الرفيعة من غير نية التكبّر فلا إثم عليه، قال الشوكانيّ: وهذا مما لا خلاف فيه فيما أعلم، بل إنّ لبس رفيع الثّياب من غير نية التكبّر، بل بنية أن يكون له وقع في قلوب سامعيه وهو يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر كان مثاباً، قال الشوكانيّ: إنّ الأعمال بالنّيات، فلبس المنخفض من الثّياب تواضعاً
¥