[" وما تخفي صدورهم أكبر " بقلم الدكتور صلاح الخالدي]
ـ[محمد السيلاوي]ــــــــ[01 May 2009, 03:09 م]ـ
قال الله عز وجل:} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ {(آل عمران: 118).
نقف اليوم الوقفة الثالثة مع القسم الثالث - والأخير - من هذه الآية الحكيمة، وهو قوله تعالى:} قد بدت البغضاء من أفواههم، وما تخفي صدورهم أكبر، قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون {.
وقفنا في الحلقة الأولى مع تحريم اتخاذ المسلمين أعداءهم أولياء وبطانة:} يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم .. {ووقفنا في الحلقة الثانية مع تعريفنا على هدف الأعداء منا، وهو إغراقنا في الخبال والعنت:} لا يألونكم خبالاً، ودّوا ما عنتّم .. {فكيف يتخذهم مسلمون أغبياء بطانة وهم بهذا الهدف والحرص؟ واليوم نتابع بقية الآية:
} .. قد بدت البغضاء من أفواههم .. {:
«بدت» ظهرت وبانت واتضحت .. تقول: بدا الشيء، يبدو أي: ظهر وبان، بحيث يراه كل شخص يقدر على الرؤية.
ما الذي بدا وظهر عند هؤلاء الكفار؟ إنه «البغضاء» .. والبغضاء مشتقة من البغض، والبغض هو الكره والحقد، والنفور والابتعاد، وهو عكس الحب والرغبة والألفة. والبغضاء مبالغة من البغض وهي تعني البغض الشديد الكثير الكبير!!
الكفار الأعداء يكرهوننا ويبغضوننا، ولا يحبوننا، ولا يرغبون فينا، ولا يطيقون رؤيتنا ولا وجودنا، ويتمنون لو أن الأرض انشقت وابتلعتنا!!
هذه البغضاء هي التي تحكم وتحدد نظرتهم إلينا، وتعاملهم معنا، وصلاتهم بنا، إنهم يبغضوننا عندما يخططون، وعندما يبرمجون، وعندما يزورون، وعندما يتحدثون، وعندما يجتمعون، وعندما يتدارسون!! .. وأنت ماذا ترجو وتأمل من رجل يكرهك ويبغضك، ويتمنى لو أبادك وأفناك، وهذا هو الذي يحركه ويوجهه نحوك؟!
هذه البغضاء تغلغلت في كيان كل واحد منهم، ووجهت فكره وعقله، وتخطيطه وتدبيره، ومشاعره وأحاسيسه، ومخططاته وحواسه.
وهذا الزعيم الكافر العدو شيطان ممثل، ودجال مخادع، يحاول أن يخفي تلك البغضاء المتغلغلة في كيانه، ويحاول أن يواري وأن يداري، وأن ينافق ويخادع، فيظهر لنا حرصه علينا، ومحبته لنا، واهتمامه بنا، ويطلب منا أن نثق به، وأن نطمئن إليه، وأن نطلب منه حل مشكلاتنا، وأن نضع «كل بيضنا في سلته» .. ويصدقه السذج المغفلون من المسؤولين، ويذهبون إليه، طالبين الخلاص على يديه، وما دروا «لعبطهم» أن ما عندهم هو الهلاك والدمار، وكانوا بذلك كالرجل «المضبوع» الذي تبع الضبع باعتباره سيخلصه وينقذه!!
ومهما يحاول هذا العدو اللدود أن يمثل ويخادع ويداور ويراوغ؛ فإن ذكاءه يخونه، ويتكلم بكلمة أو كلمات، كلها بغضاء وكراهية، وتقطر حقداً ولؤماً وسماً، وتخرج من فمه مترجمة عما في قلبه ضدنا .. ويفاجأ رجاله وحاشيته بهذه العداوة والبغضاء التي بدت وظهرت من فمه، وخرجت على لسانه، ويخافون أن «تنكشف» اللعبة، ويظهر المستور، ويصحو المسلمون، فيسارعون إلى الاعتذار عن كلمة الزعيم، ويقولون: هي «زلة لسان»، أو: هو لا يقصد ذلك، أو: هناك خطأ في الترجمة .. !!
والأمثلة على ذلك كثيرة من التصريحات الصحفية التي تصدر عن زعماء أعدائنا من اليهود والأمريكان وغيرهم، وتكاد تتكرر يومياً، وأكتفي بالإشارة إلى الكلمة العجيبة التي قالها الرئيس الأمريكي سيئ السمعة «بوش» عندما قال بعد أحداث «مسرحية» الحادي عشر من سبتمبر المعروفة: «إننا سنعلنها على الإرهاب الإسلامي حرباً صليبية .. » فسارع رجاله إلى القول بأنها زلة لسان من بوش!!
} .. وما تخفي صدورهم أكبر .. {:
تلك البغضاء الظاهرة من أفواه الأعداء تترجم كما عما في صدورهم، وتشير إلى ما ملئت به تلك الصدور من الكراهية والحقد، والبغضاء واللؤم، والألسنة لا تغرف إلا ما في الصدور، و «كل إناء بالذي فيه ينضح»!
ما تخفيه صدورهم من البغض والكره لنا أكبر بكثير مما بدا على ألسنتهم، وصدر من أفواههم .. وهم يخفون ذلك في صدورهم، ويحرصون على عدم إطلاعنا عليه، أو معرفتنا به، لأنهم يدركون خطورة معرفتنا بذلك على مخططاتهم ومشاريعهم ضدنا.
وهنا نتساءل: لماذا يبغضوننا؟ وما الذي فعلناه بهم حتى يبغضونا؟!
إننا لم نفعل بهم شيئاً، ولم نوجه ضدهم اعتداء، إننا في أوطاننا وبلداننا، لم نحاربهم ولم نحتل بلادهم، ونحن «غلابى» مغلوبون على أمرنا .. ومع ذلك يبغضوننا ويعادوننا!
لماذا يبغضوننا؟ لأننا مسلمون، وهم ينقمون منا إسلامنا، كما قال تعالى:} وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد .. {(البروج: 8)، وكما قال تعالى:} وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا .. {(الأعراف: 126). وكما قال تعالى:} وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر، يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا {(الحج: 72).
} قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون {:
عرّفنا الله على حقد أعدائنا علينا، وبغضهم لنا، ذلك البغض الذي ملأ صدورهم وكيانهم، وظهر من أفواههم، ولم يتركنا جاهلين غافلين، غير مدركين خطورتهم علينا! والعاقل منا هو الذي يستفيد من هذه الآيات القرآنية، ويتبرأ من موالاة هؤلاء الأعداء، والله يريد منا أن نكون من الذين يعقلون .. أما الذين لا يأخذون هذا البيان القرآني، ولا يحذرون أعداءهم، ويصرون على جعلهم بطانة وخبراء ومستشارين؛ فإنهم لا يعقلون، وكيف يكونون مسؤولين في بلاد المسلمين وهم لا يعقلون؟!
تاريخ النشر: (جريدة السبيل الاردنية) 30/ 04/2009 - 11:30 م