[بقاء الذكر الحسن للعبد للشيخ صلاح البدير]
ـ[أبو عبد الله محمد مصطفى]ــــــــ[24 Jun 2009, 10:37 م]ـ
[بقاء الذكر الحسن للعبد للشيخ صلاح البدير]
خطبة المسجد النبوي - 26 جمادى الآخرة 1430 –
الخطبة الأولى:
الحمد لله الرحيم الغفور الحميد الشكور، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تتضاعف بها الأجور وتنفع صاحبها بعد الموت والدثور، وتنجي قائلها يوم البعث والنشور، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمداً عبده ورسوله، أسفر فجره الصادق فمحا ظلمات أهل الزيغ والفجور، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ذوي الذكر المرفوع والفضل المشمور صلاة وسلام دائمين ممر الليالي والدهور.
أما بعد: فيا أيها المسلمون، أما بعد: اتقوا الله حق تقاته، وسارعوا إلى مغفرته ومرضاته، وسابقوا إلى رحمته وجنتهإِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ النحل 128.
أيها المسلمون .. لا خلود في دار الدنيا لأحد، لكن الأعمال الجليلة والآثار الجميلة والسنن الحسنة تخلد ذكرى صاحبها بين الناس، وتورثهم في حياتهم وبعد مماتهم ذكراً وحمداً، وثناء ودعاءً
أحاديث تبقى والفتى غير خالد إذا هو أمسى هامة فوق صير
وكم من العلماء والفطناء والعظماء قد غيبهم الأجل وطواهم الموت، ولازالت مذاكرهم وآثارهم وممادحهم ومفاخرهم تبعث في المجالس طيباً وأريجاً، يحمل الناس على عمل الخير وفعل الجميل والاقتداء الحسن
قد مات قوم وما ماتت مكارمهم وعاش قوم وهم في الناس أموات
إن قيل مات فلم يمت من ذكره حي على مر الأيام باقي
وبقاء الذكر الجميل، واستمرار الثناء الحسن والصيت الطيب، والحمد الدائم للعبد بعد رحيله عن هذه الدار نعمة عظيمة يختص الله بها من يشاء من عباده ممن بذلوا الخير والبر، ونشروا الإحسان ونفعوا الخلق، وجمعوا مع التقوى والصلاح مكارم الخصال وجميل الخلال .. يقول - جل في علاه -:وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ * إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ * وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ * وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِّنْ الْأَخْيَارِ * هَذَا ذِكْرٌ .. ص 45 - 48 أي شرف وثناء جميل يُذكَرون به، وقال - تعالى -:وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً مريم 50، قال ابن عباس - رضي الله عنه - يعني: الثناء الحسن.
وأرفع الناس قدرا وأبقاهم ذكرا، وأعظمهم شرفا وأكثرهم للخلق نفعا النبي المعظَّم والرسول المكرَّم نبيُّنا وسيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي قال الله - تعالى - عنه:
وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (الشرح 4)، قال أبو بكر بن عياش - رحمه الله تعالى-: " وأهل السنة يموتون ويحيا ذكرهم، وأهل البدعة يموتون ويموت ذكرهم؛ لأن أهل السنة أحيوا ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - فكان لهم نصيبٌ من قوله - تعالى -: وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ، وأهل البدعة شنؤوا ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - فكان لهم نصيبٌ من قوله - تعالى -:إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ).
والإمام العادل القوي الشجاع الذي يحمي الحوزة، ويذب عن البيضة، وينتصر لدينه وعقيدته وأرضه تراه معظَّماً في النفوس، كبيراً في أعين الناس، جليلاً عند أهل الإسلام،ممدوحاً عند أهل العلم والمؤرخين، والعالم التقي المتواضع للناس الذي يسعى في نفعهم وتعليمهم والإحسان إليهم يعلو في الأرض ذكره، ويرتفع في النفوس قدره ويبقى بين الخلق أثره لعلمه ودينه واتباعه للسنة وإخلاصه لله - تعالى -.
والجواد الكريم السخي المعطاء الذي يعطف على الفقراء ويرحم المحتاجين ويشفق على المساكين، فإن العامة تضِجُّ بالدعاء له وذكر محاسنه، ويُكتب له قبولٌ تام وجاهٌ عريض، والعافُّ عن المحارم الكافُّ عن أعراض الناس الذي يكف الأذى ويحتمل المشقة ويرضي الناس في غير معصية بأصالة رأي ورجاحة عقل، وسلامة قلب وعفة في الفرج واليد واللسان، فذاك السيد الوجيه الذي يقدم على الأمثال وتهابه الرجال ويبقى ذكره في الأجيال.
إذا شئت أن ترثي فقيداً من الورى وتدعو له بعد النبي المكرم
¥