تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يتفشى الطاعون ـ يقول ابن القيم في تحليل رائع بالغ الدقة وقريب مما توصل إليه الطب بعد قرون عديدة ـ عند استحالة جوهر الهواء إلى الرداءة لغلبة إحدى الكيفيات الرديئة عليه كالعفونة والنتن والسمية، في أي وقت كان من أوقات السنة، وإن كان أكثر حدوثه في أواخر الصيف وفي الخريف غالبا. وهذه العلل والأسباب التي يحدثها هذا الوباء لم يكن عند الأطباء ما يدفعها، كما لم يكن عندهم ما يدل عليها، والرسل تخبر بالأمور الغائبة وهذه الآثار التي أدركوها من أمر الطاعون ليس معهم ما ينفي أن تكون بتوسط الأرواح، فإن تأثير الأرواح في الطبيعة وأمراضها وهلاكها، أمر لا ينكره إلا من هو أجهل الناس بالأرواح وتأثيراتها، وانفعال الأجسام وطبائعها، والله سبحانه قد يجعل لهذه الأرواح تصرفا في أجسام بني آدم عند حدوث الوباء وفساد الهواء، كما يجعل لها تصرفا عند غلبة بعض المواد الرديئة التي تحدث للنفوس هيئة رديئة، ولا سيما عند هيجان الدم والمرة السوداء وعند هيجان المني، فإن الأرواح الشيطانية تتمكن من فعلها بصاحب هذه العوارض، ما لا تتمكن من غيره، ما لم يدفعها دافع أقوى من هذه الأسباب من الذكر والدعاء والابتهال والتضرع والصدقة وقراءة القرآن، فإنه يستنزل لذلك من الأرواح الملكية ما يقهر هذه الأرواح الخبيثة، ويبطل شرها ويدفع تأثيرها وقد جربنا نحن وغيرنا، يقول ابن القيم، هذا مرارا لا يحصيها إلا الله، ورأينا لاستنزال هذه الأرواح الطيبة واستجلاب قربها تأثيرا عظيما في تقوية الطبيعة، ودفع المواد الرديئة، وهذا يكون قبل استحكامها وتمكنها، ولا يكاد يخرم فن وفقه الله بادر عند إحساسه بأسباب الشر إلى هذه الأسباب التي تدفعها عنه، وهي له من أنفع الدواء. وإذا أراد الله عز وجل إنفاذ قضائه وقدره، أغفل قلب العبد عن معرفتها وتصورها وإرادتها فلا يشعر بها، ولا يريدها ليقضي الله فيه أمرا كان مفعولا ...

والطبيعة الإنسانية تنفعل بشدة بهذه الأرواح، ومعلوم في الدين بالطبيعة أن قوى العوذ والرقي والدعوات فوق قوى الأدوية، حتى إنها تبطل قوى السموم القاتلة ...

(الطب النبوي، الجزء: ص: 29 - 31)

قال ولي زار بن شاهز الدين: إذا كان الطب يقرر أن الطاعون ناتج عن فساد الهواء، الذي يؤدي إلى فساد جسم الإنسان، سواء عن طريق الدم أو غيره، وظهور الجراثيم التي تصيب الإنسان بهذا، فلا مانع أن يكون الجن أحد العناصر الرئيسية المتسببة في ذلك، فيكون هذا المرض وأمثاله من إيذائهم للبشر ...

ولي زار بن شاهز الدين، الجن في القرآن والسنة، - ص 213

بأسلوب علمي معاصر وبمصطلحات هذا الزمن يمكننا أن نستبدل ما سماه ابن القيم "الأرواح الشيطانية" ب "الجراثيم والفيروسات والبكتيريا" (الكائنات المجهرية الضارة)، و"الأرواح الطيبة" ب"الكائنات المجهرية النافعة" أو المضادات الحيوية التي هي في غالبها "بكتيريا نافعة" فنحن ندفع بكتيريا ضارة ببكتيريا نافعة، ونطلق على "فساد الهواء" كلمة "العدوى أو الوباء"، فالفيروسات تهلك سنويا عددا هائلا من الأرواح البشرية – نشرت منظمة الصحة العالمية تقريرا جاء فيه أن سنوات 1918 و1957 و1968 عرفت جوائح سببت كل واحدة منها ملايين الوفيات ..........

باب ما يذكر في الطاعون أي مما يصح على شرطه والطاعون بوزن فاعول من الطعن عدلوا به عن أصله ووضعوه دالا على الموت العام كالوباء ويقال طعن فهو مطعون وطعين إذا أصابه الطاعون وإذا أصابه الطعن بالرمح فهو مطعون هذا كلام الجوهري وقال الخليل الطاعون الوباء وقال صاحب النهاية الطاعون المرض العام الذي يفسد له الهواء وتفسد به الأمزجة والأبدان وقال أبو بكر بن العربي الطاعون الوجع الغالب الذي يطفئ الروح كالذبحة سمي بذلك لعموم مصابه وسرعة قتله وقال أبو الوليد الباجي هو مرض يعم الكثير من الناس في جهة من الجهات بخلاف المعتاد من أمراض الناس ويكون مرضهم واحدا بخلاف بقية الأوقات فتكون الأمراض مختلفة وقال الداودي الطاعون حبة تخرج من الأرقاع وفي كل طي من الجسد والصحيح أنه الوباء وقال عياض أصل الطاعون القروح الخارجة في الجسد والوباء عموم الأمراض فسميت طاعونا لشبهها بها في الهلاك وإلا فكل طاعون وباء وليس كل وباء طاعونا قال ويدل على ذلك أن وباء الشام الذي وقع في عمواس إنما كان طاعونا وما ورد في الحديث أن الطاعون

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير