تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

كان الخبر مفزعا، غير أن الأم أجابت بأن ابنها أعطى السيارة لأصدقائه الثلاثة ولم يذهب معهم، وأنه ما زال نائما في فراشه. ودخلت مسرعة لتوقظه وتعلمه بالخبر. فوجدته ميتا في فراشه!

أراد الله له ألا يموت في سيارته مع الآخرين، غير أن أجله كان منتهيا في نفس الوقت تقريبا .. ولكن على الفراش ..

لم يجده قطار الموت في السيارة، فلحق به حتى الفراش، ليحمله في نفس الرحلة التي تخلف عنها ..

كم مرة شعرنا بأنا نجونا من موت محقق في الطريق؟ .. عشرات المرات .. بل مئات المرات ..

بل هي آلاف، لا نتفطن في أغلبها لكون الموت مرّ بجانبنا على مسافة بثوان ..

بل إن الموت كامن في كل ثانية من ثواني حياتنا ..

نعم .. تلك هي الحقيقة التي نتغافل عنها دائما: فالإنسان لا يموت مرة واحدة، وإنما يموت بعدد الثواني التي تفنى من عمره .. كلما انتقلت لحظة من عمره من الحاضر للماضي، كان ذلك موتا لجزء من عمره.

ثانية واحدة تكفي لكي يصبح المستقبل حاضرا ..

وثانية واحدة تكفي لكي يصبح الحاضر ماضيا ..

ونفس الشيء يقال عن البشر: فكل فرد يمثل لحظة من لحظات عمر البشرية جمعاء. كلما ولد فيها فرد، كان بمثابة لحظة منتقلة من مستقبل البشرية لحاضرها .. وكلما مات آخر، كان لحظة منتقلة من حاضرها لماضيها ..

.. أتذكر قول الله تعالى: "أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا، وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا"، فأقول في نفسي: يبدو كذلك أن (من أضاع لحظة من لحظات عمره بغير موجب، فكأنما أضاع لحظات عمره جميعا، ومن أحياها فكأنما أحياها جميعا)؟ ..

من الصعب أن نستشعر في كل لحظة راهنة نعيشها أنها ستصبح ماضيا، وستموت بمجرد ولادة اللحظة التالية لها، وبالتالي فمن الضروري استغلالها قبل موتها .. ولا يمكن ذلك إلا بفعل المقاومة .. مقاومة الانغماس في لذة ولادتها، للتفكير مباشرة في موتها .. ويبدو لي أن الوحيد الذي استطاع ذلك هو النبي صلى الله عليه وسلم، حيث أنه لم يكن يترك لحظة من لحظاته تمر دون أن يستغلها في الدعاء و"الذكر"، سواء كان في طعام، أو أمام مرآة، أو داخلا أو خارجا، أو صاعدا أو نازلا، أو واقفا أو جالسا، أو نائما أو مستيقظا .. ليس في ما يخصه أفعاله فقط بل وحتى عند التفاعل مع الريح والمطر لحظات الكسوف والخسوف

كأني به (صلى الله عليه وسلم) كان يعيش اللحظة الراهنة من عمره، فلا يستسيغ أن يتركها تمر دون أن تزيد في رصيده، فضلا عن أن تنقص منه شيئا .. كأني به (صلى الله عليه وسلم) كان يدرك أن كل لحظةٍ غير منتجة للحسنات هي لحظةٌ ضائعةٌ ..

لا قيمة لأي لحظة من لحظات الحياة إلا باستحضار معنى الموت فيها ..

ـ[الفجر الباسم]ــــــــ[02 Jun 2009, 01:07 ص]ـ

ويكفينا قوله صلى الله عليه وسلم:" كفى بالموت واعظاً "

جزاك الله خيرا على هذه الخاطرة المؤثرة فعلاً والتي تغيب عن أذهاننا في زحمة هذه الحياة.

ـ[أبو المهند]ــــــــ[02 Jun 2009, 01:21 ص]ـ

لا قيمة لأي لحظة من لحظات الحياة إلا باستحضار معنى الموت فيها ..

جزاكم الله خيرا أخى المحترم الأستاذ محمد بن جماعة على هذا الفكر الجامع النافع المستنير، وكما قيل:" إذا جاء القضا ضاق الفضاء " فاللهم سلمنا يا سلام.

ولكن ماذا نفعل لمن يطارده الموت في كل مكان حتى أضحي تذكر الموت مظهرا مرضيا يقوم على شل حركة حياتة أو كاد؟؟

أفيدوني أفادكم الباري.

ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[02 Jun 2009, 02:17 ص]ـ

الفرق كبير بين أن تفكر في الموت تفكيرا معيقا ومكبّلا، وبين أن تفكر فيه تفكيرا محفّزا على الفعل.

والأول مرضي وقائم على (اليأس والقنوط)، وهو فعلا يشل الحركة.

وأما الثاني فهو قائم على مفهوم (الإيمان والعمل الصالح)، وهو دافع للحركة.

ـ[إبراهيم المصري]ــــــــ[02 Jun 2009, 12:37 م]ـ

جميل ورائع

أحسنت، لك مني الشكر، ومن الله تعالى - إن شاء الله - الأجر

ـ[يسري خضر]ــــــــ[03 Jun 2009, 02:09 ص]ـ

موعظة حسنه نسأل الله ان ينفعنا بها

ـ[فيوض]ــــــــ[28 Jul 2010, 11:00 م]ـ

لا قيمة لأي لحظة من لحظات الحياة إلا باستحضار معنى الموت فيها ..

اللهم وفقنا لما تحب وبارك بأعمارنا يا كريم

ـ[تيسير الغول]ــــــــ[28 Jul 2010, 11:14 م]ـ

أكثروا من ذكر هاذم اللذات. جزاك الله خيراً موعظة ترقق القلوب وتوقظ النيام

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير