وللرد الإجمالي عليهم نقول:
أولاً: الآيتان السابقتان واللتان يحملان الاستثناء المذكور في قوله: (خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ?لسَّمَاوَاتُ وَ?لأَرْضُ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ)
قال الجمهور من علماء التفسير: أن الاستثناء عائد على العصاة من أهل التوحيد ممن يخرجهم الله من النار كما وردت بذلك الأخبار الصحيحة المستفيضة ولا يبقى بعد ذلك في النار إلا من وجب عليه الخلود فيها ولا محيد له عنها، وهذا الذي عليه كثير من العلماء قديماً وحديثاً في تفسير هذه الآية الكريمة.
وهناك قول بأن المدة التي استثناها هي مدة البرزخ في القبور إلى البعث .. ومعلوم أنه عذاب على الكافرين ما دامت السماوات والأرض قبل أن تتبدل ..
كما قال عن فرعون وقومه: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُواْ آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) [غافر-46]
وهو قول وجيه، وليس هناك مانع من حمل الآية عليه ..
وما قيل في الآية الأولى يقال في الآية الثانية.
وأما الآية الثالثة: وهي قوله: (لاَّبِثِينَ فِيهَآ أَحْقَاباً) ففيها أقوال ثلاثة:
القول الأول: ما نقله ابن كثير عن خالد بن معدان قال:
هذه الآية: (لاَّبِثِينَ فِيهَآ أَحْقَاباً) وقوله تعالى (إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ) في أهل التوحيد. وهو رأي الكثير من السلف أيضاً ..
القول الثاني: وهو أن يكون قوله تعالى: (لَّـ?بِثِينَ فِيهَآ أَحْقَاباً) متعلقاً بقوله تعالى: (لاَّ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلاَ شَرَاباً) ثم يحدث الله لهم بعد ذلك عذاباً من شكل آخر ونوع آخر. وهذا قاله ابن جرير ..
القول الثالث: أن الأحقاب ليس لها مدة إلا الخلود وإن عرف مقدارها.
قاله قتادة والربيع بن أنس، وقد روى ابن جرير عن الحسن وقد سأل عن الآية فقال: أما الأحقاب فليس لها عدة إلا الخلود في النار، ولكن ذكروا أن الحقب سبعون سنة كل يوم منها كألف سنة مما تعدون.
وعن قتادة قال: هو ما لا انقطاع له وكلما مضى حقب جاء حقب بعده.
وقال الربيع بن أنس: لا يعلم عدة هذه الأحقاب إلا الله عز وجل.
ذلك التفسير المختار لهذه الآيات عند جمهور السلف ..
وأما الأثر عن عمر وابن مسعود وغيرهما مما ورد عن الصحابة فإنه لم يصح السند إليهم، وقد ضعفها جمهور العلماء.
[وانظر للتوسع السلسلة الضعيفة تحت الحديث 342 وتخريج العقيدة الطحاوية ص 428]
والحاصل أن الجنة والنار خالدتان بأهلهما على الدوام ..
والمسألة منثورة في كتب العقائد والفرق ..
ومن قول السفاريني في عقيدته:
واجزم بأن النار كالجنة في ... وجودها وأنها لم تتلف.
وقال الشيخ حافظ حكمي رحمه الله:
والنار والجنة حق وهما ... موجودتان لا فناء لهما.
والله أعلم.
- مسألة: فيمن دخل الجنة أو النار قبل يوم القيامة
ثبت أنه قد دخل الجنة قبل يوم القيامة نبي الله آدم وأمنا حواء ..
ويؤسس ذلك على خلاف قديم فيما إذا كانت الجنة التي أدخلها آدم هل هي جنة الخلد أم جنة في الأرض؟ والجمهور على أنها الجنة التي في السماء وهي جنة المأوى، وأدلة القائلين بأنها جنة أخرى في السماء أو الأرض – على خلاف بينهما - أقوى وأوضح كما ذكرها ابن القيم وابن كثير وغيرهما ..
وما قيل من دخول صاحب يس الجنة كما قال تعالى: (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يلَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ) [يس-26]
أو الشهداء عموماً لقوله تعالى: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) [آل عمران-169]
فإنما ذلك بالروح لا بالجسد كما روى مسلم [1887] مرفوعاً قول النبي صلى الله عليه وسلم عن الشهداء: أرواحهم في جوف طير خضر، لها قناديل معلقة بالعرش، تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل.
والمعروف والمشاهد أن جثث الشهداء في الأرض، فثبت بأن المقصود دخول أرواحهم فقط، كما صح [من حديث البراء بن عازب رواه أحمد في المسند رقم 18063] أن المؤمن في قبره يبشر بالجنة فيأتيه من نعيمها والكافر يبشر بالنار فيأتيه من لهيبها.
وهذا لا يستلزم دخولهم الجنة والنار حقيقة كما هو ظاهر.
¥