تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وبعبارةٍ ثانيةٍ: فإنّ السّماع علّةٌ مطّردةٌ تنسحب على كلّ بابٍ من أبواب النّحْو، بل على كلّ مسْألةٍ من مسائله، وهو، ولا ريب، العلّة الحقيقيّة، للجواز أو عدمه للوجوب أو للمنْع. ولكنْ، لو اقْتصرْنا في مقام التعليل عليْه، لأدّى ذلك إلى إشكاليّةٍ لا يُمْكن الالْتزام بها، وهي: عدم صحّة كوْن النّحْو علْماً. وذلك، لأنّ علْميّة العلْم تسْتدعي وجود ربْطٍ وانسجامٍ بين أحكامه، ورجوع هذه الأحكام إلى ضوابط عامّةٍ وقواعد كلّيّةٍ، والسّماع والنّقْل، بمجرّدهما، لا يُعْطيان هذه الضّوابط العامّة الكلّيّة، ولا يُسَوّغان التعميم ولا يُبَرّرانه.

كما أنّنا لو اقتصرْنا على السّماع، لانسدّ باب التعليل من أصْله، وللغا الكثير ممّا قاله أعلام النّحْو وعظماؤه، مع جزْمنا بأنّهم لا يُتَصَوَّر في حقّهم عدم الالْتفات إلى حاكميّة السّماع في أبواب هذا العلْم كافّةً. ولذلك نرى الواحد منهم لا يلْجأ إلى التعليل بالسّماع أو بعدمه إلاّ بعْد العجْز عن العثور على ما يكون بنظره مبرّراً موْضوعيّاً سليماً.

وأمّا كلامي الذي وافق ما ذكره بعْض الأعلام، كابن هشامٍ والسّيرافيّ، فإنّما هو من وقْع الحافر على الحافر أخي العزيز، وحاشَ لله أنْ يكون سؤالي تعنّتيّاً أو امتحانيّاً، وإنّما أنا، بصراحةٍ، أعتبر هذا المُنْتدى إحدى وسائل التعلّم فيما يتعلّق بالنّحْو والصّرْف، مُضافاً إلى أنّني لا أمْلك الكثير من المراجع والكتب المشار إليْها، ولو كُنْتُ ملكْتُها، فأنا لا أملكُ الوقْت الكافي لذلك، وإنّما أتحيّن الفرص. وحسْبي بكمْ معلّماً ومفيداً.

وأمّا (اليَعْملاتان)، فقد كنْتُ أحسب أنّني أوضحْتُ عدم قصْدي للتثْنية الحقيقيّة فيها بوضْعي لها بين قوْسيْن، إشارةً إلى أنّ ما بينهما حالةٌ غير طبيعيّة!! وعلى كلّ حال، فشُكْراً على الفائدة.

وأمّا الأُستاذ أبو تمّام ..

فإنّ النّداء إنْ كان خطاباً، كما ذكرْتَ، وهو حقٌّ، فأيّ مانعٍ في اجتماعه مع المخاطَب؟! أفلا يكون هذا نوراً على نور؟! وهل ثمّة مانعٌ من أنْ تُقْبِل على مخاطَبِك مرّتيْن، مرّةً بندائه، وأُخْرى بضمير خطابه؟!

وأمّا قوْلُكَ: (يا زيْدُ أنْتَ زيدٌ) لا معْنى له، فنسلّمه في خصوص المثال المذكور، ولكنْ ليْستْ جميع الأمثلة على هذه الشّاكلة، ألا ترى أنّكَ لو قُلْتَ لزيْدٍ الجاهل بكوْنه الوحيد المسمّى بزيْدٍ في عائلتنا ـ مثلاً ـ: يا زيْدُ أنْتَ زيدُ عائلتنا، كان فيه فائدةٌ مُعْتَدٌّ بها؟!

ـ[أبو تمام]ــــــــ[01 - 12 - 2007, 02:32 م]ـ

أستاذي الفاضل عاملة لك التحية.

كلامك صحيح إن أردتَ الاستئناف فتقول: يا زيدُ، أنت زيدٌ، أوكما في مثالك: يا زيدُ، أنت زيدُ عائلتنا.

أما إن أردت توجيه الخطاب لزيد فلا، لأنه قد أغناك النداء عن الخطاب، فالنداء خطاب أخي الكريم، فأيُّ فائدة في قولك: يا زيدُ أنت زيدٌ، تعلّم ِ العلمَ!

أتلاحظ ما أعنيه بالفائدة هنا؟

وأنا أضمّ صوتي إلى صوتك في مسألة التعليل.

والله أعلم

ـ[عاملة]ــــــــ[01 - 12 - 2007, 08:34 م]ـ

فنحن متفقان إذنْ في أصل المطلب، وهو أنّه عندما توجَد الفائدة، صحّ النّداء والخطاب، وعندما لا توجد، لمْ يصحّ الجمْع بينهما، وإنّما النّقاش، لو كان، في المثال ..

وفقكم الله لكلّ خير .. وأشكركم على المتابعة ..

ـ[د/محمد القرشي]ــــــــ[02 - 12 - 2007, 11:07 م]ـ

أخي الكريم عاملة:

مررتُ على تعقيبك الأخيرعلى ماذكرتُه إجابة عن أسئلتك التي أثرتها حول الشاهد النحوي *يا زيد زيد اليعملات .... *

وكان السؤال الأساس لك ألايمكن رفع (زيد) الثاني على أنه خبر لمبتدأ محذوف، تقديره: "يازيد أنت زيد اليعملات" فعلى هذا يكون لدينا وجه ثالث في مثل هذا التركيب. وأجبتك وفق سؤالك بأنه لايجوز ذلك؛ لأن السماع لم يرد إلا بنصب الثاني، أمَّا الأول فورد بالضم والفتح، وقد أشار ابن مالك إلى هذا السماع حين قال:

في نحو سعد سعد الأوس ينتصبْ * ثان وضمّ وافتح أولاً تُصِبْ

ولكني وجدتك في التعقيب تفسر السؤال الأساس بأمر مختلف لايفهم من ظاهر السؤال؛ لأنك كما -فهمتُ- إنما تقصد السؤال عن الحكمة والعلة الكامنة وراء إيجاب العرب لنصب زيد الثاني وعدم إجازتهم الرفع فيه. أي: أنك تشأل عن العلة في ثبوت الحكم أوعدم ثبوته، لاعن الحكم نفسه أيمكن أولايمكن؟

وحتمًا ستكون الإجابة مختلفة فقد أعلل بعلة ويعلل غيري بعلة أخرى كما ذكر الأخ أبو تمام، ولك أن تقبل بهذه العلل أو لاتقبل، فالأمر فيه سعة، وقديمًا فتح الخليل بن أجمد باب الإتساع في العلة حين سُئِلَ عن العلل التي يعتل بها في النحو فقيل له عن العرب أخذتها أم اخترعتها من نفسك؟

قال: "إن العرب نطقت على سجبتها وطباعها وعرفت مواقع كلامها وقامت في عقولها علله وإن لم ينقل ذلك عنها، واعتللت أنا بما عندي أنه علة فإن أكن أصبت العلة فهو الذي التمست ... وإنْ سنحت لغيري علة أليق مِمَّا ذكرته بالمعلول فليأت بها "

أما ما ذكرتَه بعد ذلك من أننا لواقتصرنا على السماع لانسدَّ باب التعليل من أصله ولألغينا جزءًا كبيرًا مما قاله النحاة فلا اعتراض عليه وأتفق معك فيه، ولكن كيف فهمتَ من كلامي أنني أقصر العلة على السماع!!

أخي الكريم أعلم أن التعليل باب من النحو واسع، والسماع علة من علل كثيرة متشعبة ذكرها النحاة منها علة التشبيه، وعلة الاستغناء، وعلة الاستثقال، وعلة الفرق، وعلة التعويض، وعلة النظير، وعلة الحمل على المعنى، وعلة المشاكلة، وعلة المعادلة، وعلة المجاورة، وعلة التغليب، وعلة الاختصار، وعلة التخفيف، وعلة التضاد ...

أما اعتذارك عن تثنية (اليعملات) حين قلت (اليعملاتين) بأنك لم تقصد التثنية الحقيقية ولذلك وضعتها بين قوسين إشارة إلى أنها حالة غير طبيعية فمحل نظرٍ.

وأخيرًا أشكرك أخي على إغرائك لى بالكتابة عن الموضوع مرة ثانية ولك تحياتي.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير