ولما عرف الدكتور اسمي الزمان والمكان، وذكر قاعدتهما، ومثل لهما: ذكر ما جاء على أوزانهما وهو لا يحمل مدلول الزمان والمكان 7,, ثم قال: وكذا ما دخلته التاء نحو المقبرة والمزرعة والمدرسة والمشربة؛ فإن هذه تطلق على أماكن مخصوصة ولا يراد بها موضع الفعل عموما فالمقبرة مكان مخصوص وليست اسما لكل مكان يقبر فيه,, أي يدفن: إذ لا يقال لمدفن شخص واحد مقبرة، ولو أريد ذلك لقيل مَقبَر على القياس، فإن موضع الفعل يجري على القياس,
وكذا المزرعة فهي اسم لمكان مخصوص إذ لا يقال لموضع زرع نبتة واحدة مزرعة، بل يقال: مزرَع على القياس,, ونحوه المدرسة فإنها بناية مخصوصة لهذا الغرض، ولا يقال لمكان حصول الفعل عموما مدرسة، بل يقال له مَدرَس؛ فإنك إذا قمت بفعل الدرس في مكان ما لا يسمى ذلك مدرسة بل يسمى مدرسا,
وكذا المشربة ليست اسما لكل موضع يشرب فيه الماء ويجري، إنما هو اسم لهذا الموضع المخصوص، وهو الغرفة أو الأرض المخصوصة بكونها ارضا لينة دائمة النبات,, ولو أريد موضع الشرب عموما لقيل مشرَب على القياس,
وكذا المسرُبة وهي الشعر المهدول في الصدر، وفي السرة: فبمنزلة المشرفة,, لم ترد مصدرا، ولا موضعا لفعل، وإنما هو اسم مخط الشعر في الصدر، وكذلك المأثرة والمكرمة والمأدبة، فاتضح ان التغيير إنما هو للتغيير في المعنى,, جاء في شرح الرضي على الشافية: فكل ما جاء على مفعِل بكسر العين مما مضارعه يفعَل بالضم فهو شاذ من وجه,, كذا مفعَلة بالتاء مع فتح العين، وكذا مِفعل بكسر الميم وفتح العين، ومفعِلة كالمظنة أشذ، ومفعُلة بضم العين كالمقبرة أشذه؛ إذ قياس الموضع: إما فتح العين، أو كسرها,, وكذا كل ما جاء من يفعِل المكسور العين على مَفعَل بالفتح شاذ من وجه، وكذا مفعِلة بالتاء مع كسر العين، ومفعَلة بفتحها أشذ,
لكن كل ما ثبت اختصاصه ببعض الأشياء دون بعض، وخروجه عن طريق الفعل: فهو العذر في خروجه عن القياس كما ذكرنا,
وقد صاغوا من الثلاثي اللفظ أو الأصل على وزن مَفعَلة للدلالة على كثرة الشيء الجامد بالمكان كقولهم: أرض مأسدة,, أي كثيرة الأسود، ومسبعة,, أي كثيرة السباع، ومذأبة,, أي كثيرة الذئاب,, جاء في شرح الرضي على الشافية: واعلم ان الشيء اذاكثر بالمكان، وكان اسمه جامدا: فالباب فيه مفعلة بفتح العين، وهو ليس بقياس,, والمفعلة تدل ايضا على سبب كثرة الشيء كقولهم: الولد مجبنة مبخلة محزنة,, أي سبب لكثرة الجبن والبخل والحزن,, جاء في حاشية الصبان: وقد صاغوا مفعلة من الثلاثي اللفظ أو الأصل لسبب كثرة مسماه، أو محلها,, مثالها لسبب الكثرة: الولدمجبنة مبخلة,, أي سبب لكثرة الجبن عن الحرب وكثرة البخل,, ولمحل الكثرة مأسدة ومسبعة ومقثأة ومفعاة,, أي محل لكثرة الأسد والسبع والقثاء والأفعى 8,
وقال الشيخ احمدالحملاوي: ومن هذا يعلم ان صيغة الزمان والمكان والمصدر الميمي واحدة في غير الثلاثي، وكذا في بعض أوزان الثلاثي، والتمييز بينهما بالقرائن، فإن لم توجد قرينة فهو صالح للزمان والمكان والمصدر,
وكثيرا ما يصاغ من الاسم الجامد اسم مكان على وزن مفعلة بفتح فسكون ففتح، للدلالة على كثرة ذلك الشيء في ذلك المكان كمأسدة ومسبعة ومبطخة ومقثأة,, من الأسد والسبع والبطيخ والقثاء,, وقد سمعت الفاظ بالكسر وقياسها الفتح كالمسجد للمكان الذي بني للعبادة وان لم يسجد فيه، والمطلع والمسكن والمنسك والمنبت والمرفق والمسقط والمفرق والمحشر والمجزر والمظنة والمشرق والمغرب,, وسمع الفتح في بعضها,, قالوا: مسكن ومنسك ومفرق ومطلع,, وقد جاء من المفتوح العين المجمع بالكسر,
قالوا: والفتح في كلها جائز وان لم يسمع,, قال أستاذنا المرحوم الشيخ حسين المرصفي في الوسيلة: هذا اذا لم يكن اسم المكان مضبوطا,, وإلا صح الفتح كقولك، اسجد مسجد زيد تعد عليك بركته بفتح الجيم,, أي في الموضع الذي سجد فيه، وقال سيبويه: وأما موضع السجود فالمسجد بالفتح لا غيرأه,, فكأنه أوجب الفتح فيه 9,
قال أبوعبدالرحمن: الوقفة الرابعة في سياق كلامي عن معاني الأدب مادة وصيغة قبل مصطلحاته: أن الأصل في المفعلة- بفتح العين- الظرف من اسم المكان والزمان,, وليس ذلك لمطلق اسم الظرف، بل لاسم لظرف بالنظر الى كثرة المظروف فيه، فاسم الظرف دلالة المفعل، والكثرة دلالة التاء، ثم تأتي معان للصيغة مجازية,
¥